اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٣٠ كانون الأول ٢٠٢٥
عصر رقيّ هو عصرنا، لكونه عصر النور، كما يقولون. ونعني بالنور ليس النور المادي الذي تقدّم، تقدّما باهرا ولا سيما في بلاد الناس. إذ بعد ان كنا، مثلا نستضيء بمسارج الخزف الموقدة بالزيت، ها نحن أولاء نستصبح بالطاقة الشمسية أو الهوائية. أجل، لا نريد بالنور النور الحسي وحسب، بل بنوع أخص النور المعنوي، نور العقول والألباب، نور العلوم والفنون، نور المكتشفات والمخترعات العجيبة، نور المدارس والمعاهد العالية والجامعات الشهيرة التي تجمع ولا تفرّق! لقد رقيّ عصرنا، فنال قصب السبق على ما غبر من العصور. بيد ان هذا التقدّم، هل تراه أصعدنا في معارج الفلاح في مجال الفضائل الاجتماعية السامية، مجال الشهامة والنبالة في الأخلاق؟ ان هذا، ويا للأسف، لا ينطبق على واقع الحال، حتى في بلاد الناس، لان معظم الناس يتهافتون، ولا تهافت الجياع حول القصاع، على جمع المال بالحلال والحرام، لان المال في نظرهم معبودهم الأول فضلا عن اكتساب سلطة ما وقضاء الأوطار واتباع الرغبات الدنيئة...
عبثا نطلب من العلم ما هو عاجز عن منحه، لان الفضيلة فوق طوره، وغريبة عن مباءته. فلا الرياضيات، ولا الطبيعيات، ولا التقنيات، في وسعها أن تجعلنا رجالا وأخوات رجال.
هدف العلم العقل؛ ولا يصل إلى الإرادة والقلب إلّا من باب الانعكاس. في مكنة المرء تهذيب عقله؛ لكنه في الوقت نفسه في مستطاعه إهمال نفسه. ودليله وجود علماء ذوي نفوس خاملة، وأخلاق سافلة. في جو حجاهم الأنوار ساطعة، وفي أعماق جنانهم الظلمات حالكة. ترقّت العقول بدرجات، لكن، انحطت النفوس، وفسدت الأخلاق. زادت المعارف والتقنيات، ولو مستوردة، بيد ان الضلال لا يزال في انتشار، والشر في تفاقم. فضعف الإيمان، وزال الحياء، واضمحل الشرف، وبادت الاستقامة. فعمّ التهتك والشذوذ باسم الحرية الكاذبة. فيا ليت قومنا بقي على بساطته القديمة، وكل ما افتخرت به تقاليدنا الشرقية.
لا يكفي للرقيّ تنوير العقول التي قد تتحوّل جرثومة للحروب والاستغلال. بل يقتضي إرادة حازمة قادرة على الشروع في العمل الجديّ، عمل استئصال الموبقات، وغرس الفضائل. وهذا ما سائر عصرنا في سبيل فقدانه. نحن في حاجة إلى وزارات فعلية فاعلة للثقافة والتربية المدنيتين والأخلاقيتين، لأنهما حياة أجيالنا والمجتمع بأسره. هذه الوزارات، لو حزمت أمرها مرة يتيمة، لكنا صنّا أقوامنا وشعوبنا من الفساد والانحطاط والزوال.
ولئن كان من أهم الوسائل لتبيان ماهية الظلام الحالك عرض النور بأسطع أشعته؛ ولمعرفة الأسقام والعلل، وصف الصحة وإطراء نعمها؛ وللصد عن الجهل والغباوة والتقاعس إعلاء شأن العلم والإشادة بجزيل منافعه، فان الشأن كذلك في مجال الحياة الأدبية الاجتماعية، أي من المفيد كل الإفادة لإصلاح أخلاق العصر السيئة، أن ندرس الأخلاق الكريمة النبيلة! فأين الوزراء «المعنيون» من كل ما أسلفنا؟؟!
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه











































































