اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
يمثل الإنجاز الذي حققه ثلاثة طلاب لبنانيين في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، عينة من القدرات اللبنانية على تحقيق الإنجازات إذا ما توفرت الحوافز اللازمة، وفي مقدمها التمكين والبنى التحتية والعدالة الرقمية، وتبني الوسائل التكنولوجية في المدارس واعتماد الرقمنة في قطاع التعليم.
ويُضاف غياب هذه الشروط، إلى سلسلة من التحديات التي يواجهها القطاع التعليمي في لبنان التي تنعكس بشكل سلبي على جودته. فضلاً عن أزمة رواتب الأساتذة (في الملاك والمتعاقدين) التي لا تزال تفتقر إلى معايير عادلة، وإلى التفاوت في مستوى التعليم بين المناطق القروية والمدنية، وتتصاعد الحاجة إلى أساتذة جدد في عدد من الاختصاصات، كما أن الأساتذة في القطاع لا يتلقون تدريباً كافياً لتطوير مهاراتهم، ما يؤثر سلباً على جودة التعليم.
وحقّق لبنان أخيراً، إنجازاً لافتاً على الساحة العربيّة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حيث أحرز الطلاب علي حميّة ومحمد ملحم وجهاد دياب من معهد Innovators Academy المركز الثاني في مسابقة البرمجة ضمن فعاليّات الأولمبياد العربي للذكاء الاصطناعي 2025، الذي نظّمته STEAM Center – الأردن في 26 من الشهر الماضي بمشاركة أكثر من 300 طالب وطالبة من مختلف الدول العربية.
لكن على الرغم من هذا التفوق، يجمع الباحثون المتخصصون بالتعليم الرقمي على أن المناهج الدراسية والبرامج المعتمدة حالياً في المدارس والجامعات الرسمية لا تواكب التطور التكنولوجي ولا تركز بشكل كافٍ على تطوير المهارات الحياتية التربوية والتفكير النقدي لكل من الأستاذ والطالب والأهل، فالقصور واضح وله أسبابه، وهذا الواقع بات اليوم يزيد من حجم الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
واجب وليس خياراً
من خبرته الطويلة في التكنولوجيا التربوية، يرى د. ربيع بعلبكي - رئيس لجنة الابتكار في الاتحاد العربي للإنترنت والاتصالات أن الحلول الرقمية في قطاع التعليم أصبحت أمراً اساسياً، ولم تعد خياراً، أما المحتوى التعليمي أكان تفاعلياً أو أكُر من تفاعلي (إنغماسي) في البلدان المتطورة والذي يعتمد على الواقع الافتراضي Virtual reality، فيعتبر في مدارسنا 'إكسترا'، فيما استخدام التكنولوجيا في مجال الأبحاث والتفكير النقدي والتصميم التفكيري ( Design thinking ) أو التعليم القائم على المشاريع كلها أمور أصبحت أساسية، ويشدد بعلبكي على أن هذا الموضوع 'ليس مزاجياً ولا خياراً بل واجباً، كون الثورة الصناعية الرابعة من ناحية الذكاء الاصطناعي ( artificial intelligence ) الروبوت، وأنترنت الأشياء ( Internet of Things) والحوسبة السحابية ( Cloud computing)، والأمن السيبراني (Cybersecurity) والطباعة الثلاثية الأبعاد (D printing 3)، والتعليم الإنغماسي، وحتى البيانات واتخاذ القرارات بناء على البيانات، كل هذا يعتمد على التكنولوجيا.
مسار طويل
وكي يسير هذا التوجه على السكة الصحيحة، يبدو أن الطريق طويل ويحتاج إلى نوايا صادقة وإلى العمل الجدي والمستمر وإعطاء الأولوية للإصلاحات الجذرية، كالاستثمار في المدارس وتدريب المعلمين ومعالجة الحواجز التي تعيق الوصول إلى التعليم قبل الاعتماد على الأدوات الرقمية كعلاج، الذي هو بحد ذاته له شروط نجاح يجب الالتزام بها.
التمكين والبنى التحتية والعدالة الرقمية
وتتمثل هذه الحواجز بتأمين الكهرباء والأنترنت وفق المعايير المطلوبة، إذ لا يمكن العمل في التكنولوجيا من دون بنى تحتية جيدة. ويقول بعلبكي، وهو مؤسس ورئيس نقابة تكنولوجيا التربية في لبنان، إن العدالة الرقمية يجب أن تتحقق بعد توفر الشروط الأولى، ومعها التجهيزات، مشدداً على حق الوصول إلى المعلومة من خلال الأنترنت إلى أي طالب أو أستاذ أينما كان، و'هذا لا يتحقق إلا من خلال إقرار تشريعات وإقرار قوانين متعلقة بالعدالة الرقمية'. ويخلص إلى أن الأولوية اليوم تتمثل في تمكين الأستاذ وتدريبه وإعطائه حقوقه كاملة، حتى يُركّز على تعليم الأجيال، وهذا الموضوع جوهري في أي تحول نحو التكنولوجيا.
وتستند المقاربة التي يقدمها بعلبكي إلى أن القطاع التربوي في لبنان يحتاج اليوم إلى التمكين والبنى التحتية والعدالة الرقمية (ومعها التجهيزات)، والعناصر التقنية من ناحية المنصات ومن ناحية المحتوى الرقمي، وإلى العلوم التي تساعد على إنشاء المشاريع وتصميم المحاكاة والتعليم على الابتكار الذي يجب أن يصبح حقاً ومبدأ (التربية على الابتكار ).
منذ العام 2000، دخل الاقتصاد الرقمي منافساً كبيراً، وهو في حال تطور وتوسع مستمرين. استناداًإلى ذلك، تسعى نقابة تكنولوجيا التربية في لبنان لإدخال لبنان إليه، بما يحقق مصلحة الطالب والأستاذ والمؤسسة التعليمية. ويقول بعلبكي: 'يجب أن تكون الاختصاصات الجامعية قائمة عليه من الفنتك FinTech (التكنولوجيا المالية) الذي تحوّل إلى صناعة ضخمة، وتساهم شركات التكنولوجيا المتقدمة والبيئة (أتيك) إلى تكنولوجيا الدفاع (Defence tech)، وتكنولوجيا الري بالتنقيط (Drip Irrigation Technology ) وصولاً إلى تكنولوجيا الصحة ( HealthTech )'، في تشجيع الطلاب على العمل على المشاريع، وعلى الابتكار باستخدام الأدوات والحلول الرقمية.
المواكبة الفعالة لها شروطها
وليس بعيداً عن مقاربة بعلبكي، تشدد الدكتورة سالي حمود المتخصصة في الإعلام والذكاء الاصطناعي وأستاذة محاضرة في الجامعة الأميركية في دبي وفي بيروت على أن 'مدارسنا وجامعاتنا الرسمية بحاجة إلى تبني الوسائل التكنولوجية في المدارس بشكل أسرع، وإلى البحث عن أفضل الطرق والأقل كلفة كي تتمكن من تبني الرقمنة في قطاع التعليم'.
وتعطي حمود مثالا عن الثقافة الرقمية التي اكتسبها الكادر التعليمي والأهل والطلاب خلال أزمة كورونا (جائحة كوفيد-19) ، لا سيما المهارات الرقمية التي جعلتهم قادرين على التعاطي مع هذا التقنيات والحلول، وذلك لأنهم وضعوا تحت الأمر الواقع، كذلك معظم قطاعات العمل اضطرت إلى تبني الرقمنة خلال أزمة كورونا.
أما الجامعات في لبنان (خصوصا الجامعة اللبنانية)، فعلى الرغم من بطئها في تحويل برامجها ومناهجها إلى رقمية مواكبة التكنولوجيا، إلا أنها أصبحت أسرع من قبل في مواكبة هذا التحول، لأنها مرغمة على مواكبة سوق العمل والمهارات التي بات يطلبها، إن كان من ناحية الخريجين أو من ناحية الأساتذة الجامعيين المضطرين إلى تطوير مهاراتهم وتطوير المناهج بشكل أو بآخر وفق تعبير حمود.
معاناة متعدّدة الأوجه
تتعدد أوجه المعاناة والاضطراب والتخبط الرقمي الذي يعيشه القطاع التربوي، تضاف إليه انعكاسات الأزمة الاقتصادية (2019) وتداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليه، فضلاً عن حالة الترهل في المدارس الرسمية، وفي ذلك تعلق حمود: 'الجهاز التعليمي ليس مؤهلاً بالشكل الكامل لمواكبة هذا التطور من ناحية قدراته ومهاراته الرقمية ومن ناحية فهمه لهذا التحول، يقابله قصور في الكادر الإداري الذي لا يعرف أي من الاستراتيجيات والسياسات التربوية يجب اعتمادها، لأن المواكبة الناجحة والفعالة تحتاج إلى موارد بشرية، ومالية، وإلى رؤية معينة'.
في الختام، هل تبادر المدارس والجامعات الرسمية إلى إدخال الحلول الرقمية إلى القطاع الرسمي بكل متطلباتها التقنية؟ أم تقرر البقاء تحت مظلة الدولة لناحية الاعتماد عليها؟ علماً أن هناك الكثير من وسائل التشبيك التي تساعدها في هذا الأمر مثل المجتمع المدني والمجتمع المحلي، الإقليمي، والعالمي والجمعيات والشركات التي تقدم التمويل والأدوات والخبرات المطلوبة وتساعد هذه المدارس على التبني، مع ضرورة الحذر من الجمعيات والشركات والدول المانحة التي تقدم خدمات مشروطة ومن بينها أجندات سياسية.