كتب جورج شاهين في 'الجمهورية'

بمعزل عن النتائج التي يمكن أن ينتهي إليها لقاء ترامب – نتنياهو، فإنّ هناك ما يشي بإمكان التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف الحرب في غزة، والدخول في مرحلة انتقالية، لتطبيق ما قالت به خطة ترامب بنقاطها الــ 21، التي توزعت في عناوينها في «خلطة دقيقة»، جمعت مطالب واشنطن وإسرائيل و»حماس» والعرب، وفق تصنيف وضعته مراجع ديبلوماسية عليمة. وعليه، توجّهت الاهتمامات للإطلاع على هذا التصنيف، وما يمكن أن يعكسه من ترددات على الساحة اللبنانية، وفق عناوين عدة، وهذه أبرزها.

حتى كتابة هذا التقرير، لم يكن هناك لا في واشنطن ولا في تل أبيب وبالطبع في بيروت أيضاً، من يمكنه أن يحسم شكل ومضمون النتائج التي يمكن أن يفضي إليها لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. فلا يكفي الحديث عن حجم الثقة التي عبّر عنها ترامب في تدوينة له على شبكته «تروث سوشيال»، بقوله حرفياً: «إن لدينا فرصة حقيقية لتحقيق شيء عظيم في الشرق الأوسط»، مضيفاً: «الجميع مستعد لشيء لافت، إنّها سابقة. وسنحقق ذلك». فيما احتفظ نتنياهو بصمت بليغ، وسط حديث إسرائيلي وتسريبات عن قلق يسود فريق إسرائيل، ليس لأنّه مستعد او غير مستعد للتوصل إلى وقف للنار، بل جراء الثقة العالية التي عبّر عنها ترامب قبيل لقائهما، واللهجة القاسية التي اعتمدها المسؤولون الكبار إلى جانبه، والتشدّد في ضرورة إنهاء الحرب هناك والانتقال إلى مرحلة أخرى اكثر تقدّماً نحو السلام في المنطقة، بما يضمن مصالح جميع الأطراف.

على هذه الخلفيات وما تحمله من تفاؤل يحوط به طوق من الشكوك، التي عبّر عنها تقرير ديبلوماسي رُفع إلى إحدى السفارات الكبيرة في بيروت، ورغب مسؤولوها بأن يصل مضمونه إلى أيدي بعض المسؤولين اللبنانيين، قال: «إنّ التفاؤل المبني على تدوينة ترامب ومواقف مساعديه له ما يبرره، فهو قطع شوطاً بعيداً بوقوفه على آخر المعطيات من جميع الأطراف. فمساعداه ستيف ويتكوف وصهره العائد إلى الأضواء جاريد كوشنر، التقيا نتنياهو في نيويورك قبل توجّهه إلى واشنطن للقاء الرئيس، وعرضا معه ما سُمّي مجموعة المصالح المشتركة التي يمكن أن تنشأ من وقف الحرب. وهي معادلة توازي بين إيجابيات التوصل إلى وقف للنار، ومساوئ استمرار المجزرة في غزة. وهي معادلة لم تكن مطروحة لولا الفشل الذي أدّت اليه الضربة العسكرية في قطر، وانعكست تجميداً للوساطة العربية والتشكيك بالتعهدات الأميركية الضامنة للاستقرار في المنطقة.

وإلى هذه الأجواء، انتهت دوائر البيت الابيض من استخلاص العِبَر الإيجابية من لقاء ترامب ومجموعة الدول العربية والإسلامية التي التقى معها على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي لا يمكن أن تتجاوز الغارة على قطر بغير وقف للنار في غزة ووقف العمل بالخطط العسكرية لإفراغ القطاع من سكانه، ولجم مخاطر اندلاع الحرب مع مصر والاردن إن اصرّت إسرائيل على تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو إلى المملكة الاردنية. وإنّ ثمناً كهذا قد يحيي الحراك الديبلوماسي ويضع حداً للاستراتيجيات العسكرية المدمّرة.

وعليه، قرأ التقرير الديبلوماسي هذه العناوين، عندما أجرى فرزاً للنقاط الــ21 التي تحدثت عنها مبادرة ترامب، التي شكّلت خلطة تجمع مطالب أربع جهات أساسية إن اتفقت في ما بينها، وقد صنّفتها على قياس هذه القوى مع احتمال أن تلتقي على نقاط عدة أُدرجت في لائحة الإنجازات الاميركية مع إسرائيل وبعض مطالب العرب وبالعكس، بطريقة ليس من الصعب اكتشافها. وهي توزعت كالآتي:

– حصة الأميركيين في 6 نقاط، هي التي تحدثت في البنود 1 و2 و3 عن تحويل قطاع غزة منطقة خالية من التطرّف والعنف، بما لا يشكّل تهديداً لجيرانه، او إعادة تطويره لمصلحة سكانه وبناء مستقبل اقتصادي واجتماعي مستقر، ووقف فوري للحرب، في حال وافق الطرفان على المقترح، وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية. كما في البنود 8 و11 و21 التي تحدثت عن «توزيع الأمم المتحدة، والهلال الأحمر، ومنظمات دولية مستقلة المساعدات، من دون تدخّل إسرائيل أو «حماس». و»إنشاء منطقة اقتصادية خاصة تُخفّف فيها القيود الجمركية، عبر اتفاقات مع الدول المعنية». والأخيرة «تُطلق الولايات المتحدة حواراً سياسياً بين إسرائيل والفلسطينيين لتحديد أفق سياسي طويل الأمد للتعايش».

– حصة العرب من النقاط بكاملها، فقد حُصرت بـ6 وهي: في النقطتين 9 و 10 اللتين قالتا بما قالت به المبادرة العربية «تُدار غزة موقتاً عبر حكومة انتقالية من التكنوقراط الفلسطينيين، بإشراف هيئة دولية تنشئها واشنطن بالتعاون مع شركاء عرب وأوروبيين، ريثما تنهي السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي»، و«إطلاق خطة اقتصادية لإعادة إعمار غزة، مع إشراك خبراء في بناء المدن واستقطاب الاستثمارات وخلق فرص العمل». كما في النقاط 15 و16 و17 و18، والتي قالت بـ«تشكيل قوة استقرار دولية موقتة تُشرف على الأمن في غزة، وتدريب قوة شرطة فلسطينية لتتولّى الأمن على المدى الطويل» و«عدم ضمّ إسرائيل غزة أو احتلالها، مع انسحابها التدريجي وتسليم المناطق لقوات الأمن البديلة». وفي «حال رفض «حماس» الخطة أو تأجيل تنفيذها، تُطبّق البنود على المناطق التي لا تشهد قتالاً، بإشراف القوة الدولية» و«موافقة إسرائيل على عدم استهداف قطر مستقبلاً، مع اعتراف دولي بدور الدوحة كوسيط مهمّ في النزاع».

ـ حصّة اسرائيل من النقاط توزعت على 5 نقاط أساسية تجلّت في البنود 4 و6 و13 و14، وقالت بـ«إنّه وخلال 48 ساعة من إعلان إسرائيل قبولها الاتفاق، تتمّ إعادة جميع الأسرى من الجانبين، سواء أحياء أو جثامين» و»يُمنح عناصر «حماس» الذين يوافقون على التعايش السلمي عفواً عاماً، ويُتاح للخارجين منهم ممر آمن إلى دول تقبل استقبالهم». و»يُستبعد أي دور لـ«حماس» في حكم غزة، مع التزام كامل بمنع بناء أو استخدام أي بنى تحتية عسكرية هجومية» و»تقديم ضمانات أمنية إقليمية، لضمان التزام الفصائل الفلسطينية بالاتفاق ومنع تهديد أمن إسرائيل». وآخرها في البند 19 الذي قال بـ«إطلاق مبادرات لنزع التطرّف عبر برامج حوار بين الأديان وتغيير السرديات الفكرية لدى الطرفين».

– حصة «حماس» تجلّت بـ 4 بنود أساسية في النقاط 5 و6 و 7 و 12 وتقول بـ«مقابل إطلاق الأسرى، تُفرج إسرائيل عن مئات السجناء الفلسطينيين المحكومين بالسجن المؤبد، إضافة إلى أكثر من 1000 معتقل من غزة منذ بداية الحرب، وتسليم جثامين مئات الشهداء». و«يُمنح عناصر «حماس» الذين يوافقون على التعايش السلمي عفواً عاماً، ويُتاح للخارجين منهم ممر آمن إلى دول تقبل استقبالهم» و«تُستأنف المساعدات الإنسانية بكثافة وفق معيار اتفاق الأسرى في يناير 2025، بواقع 600 شاحنة يومياً، إضافة إلى معدات إعادة الإعمار». وآخرها تقول «لا يُجبر أي من سكان غزة على مغادرة القطاع، ويتمّ تشجيع السكان على البقاء والمشاركة في إعادة البناء».

وفي الخلاصة، وقياساً على ما سبق، انتهى التقرير إلى القول، انّه لم يطلق الاميركيون بعد مبادرة متوازنة بهذا المقدار، ليبقى مصيرها متروكاً للقدر في الساعات القليلة المقبلة. فهل تكتمل بمراحلها وفصولها؟