تُسابق جنازير الدبابات الإسرائيلية الخطوات الدبلوماسية المتثاقلة لوقف الحرب، في وقت تكاملت فيه المؤسستان الأمنية والسياسية، أمس، في صناعة إيقاع خاص للإبادة المستمرة، أراده رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، المسكون بجنون العظمة، في صورة يوم تاريخي، مقرراً توسيع مسرح الجريمة من الأمم المتحدة وحتى مخيم الشاطئ غربي مدنية غزة. هكذا، قرّر أن يلقي خطاباً مجلجلاً، يسمع صداه على وقع انهيار الأبراج وتفجير العربات المفخخة وصراخ الآلاف من النساء والأطفال الهاربين من كتل الإسمنت التي تعصف بها الانفجارات خلف رؤوسهم.

يقف نتنياهو على منصة الأمم المتحدة، فيما تطوف سيارات عسكرية تحمل مكبرات صوت في المناطق الحدودية من غزة وحتى عمق المدينة. ووسط ذلك، ينهار 'برج الإيطالي' المكون من 15 طبقة، ويُدمر مربع سكني مكون من 20 منزلاً في مخيم الشاطئ، وتنفجر أربع عربات مفخخة في حيّ الصبرة، فتهرب النساء والأطفال رعباً من هول الجحيم، ولا يجدون أمامهم سوى البحر.

مشهد أسطوري مارس فيه 'ملك إسرائيل' أعلى مستويات السادية والطغيان، في وقت جدّد فيه القول في خطابه إنه ماضٍ في الحرب حتى تحرير الجنود الإسرائيليين الأسرى في غزة، والقضاء على 'حماس'، والسيطرة الأمنية الكاملة على القطاع وتشكيل حكومة مدنية هناك. ورغم أن المشهد في قاعة الأمم المتحدة لم يكن مثالياً بالنسبة لإسرائيل؛ إذ شكل انسحاب الوفود الدبلوماسية واحداً تلو الآخر فور بدء 'الخطاب التاريخي'، 'بصقة ليس في وجه نتنياهو فقط، إنما في وجه دولة إسرائيل'، وفق ما وصفت به 'القناة 13' العبرية الحدث، فإن الأهالي الذين يذوقون عذاب النزوح في غزة، لم يشعروا بأي نشوة، ليس لأنهم معزولون تماماً على العالم الخارجي فقط، إنما لأنهم يتعاطون مع حكايا السياسة بمنتهى العادية، فيما الحقيقة فقط هي التي يشاهدونها بأمّ أعينهم.

وما رأوه أمس، أن جيش الاحتلال عمّق توغله في مدينة غزة، حيث تحاصر العشرات من الآليات 'مستشفى القدس' في حي تل الهوا جنوب المدينة، وتحكم طائرات 'الكواد كابتر' سيطرتها النارية على كامل الحي. كما كثّف العدو عمليات التدمير والنسف الممنهج لحي الصبرة المحاذي لحيَّي تل الهوا والزيتون جنوب المدينة، إذ أفاد شهود عيان بأن جيش الاحتلال زجّ بثلاث عربات مفخخة في وسط الحي المذكور، وأعطى الأهالي مهلة ثلاثة ساعات لإخلاء منازلهم قبل تفجيرها.

ومع بدء خطاب نتنياهو هزت أصوات الانفجارات الصبرة، في حين شهد المحور الشمالي الغربي للمدينة وصول الدبابات الإسرائيلية إلى عمق مخيم الشاطئ وحي النصر والشيخ رضوان. ووفقاً لمصدر ميداني تحدثت معه 'الأخبار'، فإن دبابات الاحتلال تسيطر على كامل حيّ الشيخ رضوان وأطراف مخيم الشاطئ الشمالي، وهي دمرت، أمس، مربعاً سكنياً مكوناً من 20 منزلاً في المخيم. أما في المحور الشمالي الشرقي، فتتوغل الدبابات في أحياء أبو إسكندر والنفق والشيخ رضوان الشرقي، وتسيطر بالنار على كامل تلك المناطق التي تشهد عمليات نسف وتدمير ممنهجة للأبنية والمنازل والبنية التحتية.

وهكذا، فإن جيش الاحتلال بات في الوقت الحالي يسيطر على كامل مدينة غزة، عدا شارع عمر المختار الممتد من مسشتفى الشفاء ومحيطها وحتى البلدة القديمة في غزة وأحياء الدرج والتفاح الغربي. وفي تلك المناطق، يرابط مئات الآلاف من الأهالي الذين يرفضون إخلاء المدينة إلى جنوب القطاع ووسطه.

وعلى الصعيد السياسي، يتصدر الطرح الأمريكي لوقف الحرب المشهد؛ ووفقاً لمراسل 'القناة ال12' العبرية، باراك رافيد، فقد أكد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للصحافيين مساء أمس، أنه من المرتقب أن يكون هناك اتفاق لوقف الحرب في غزة. وأشارت القناة إلى أن التقديرات تتزايد بأن ترامب سيطالب نتنياهو بالتقدم في خطة لإنهاء الحرب، بينما يضع نوعاً من الجداول الزمنية التي من وجهة نظره يجب أن تتبلور الأمور ضمنها.

على أن كل ما يطرح من خطط، يبدو أنه سيبقى مرهوناً بالوقت الذي يحتاجه نتنياهو لتدمير ما تبقى من مدينة غزة، إذ إن كل المبادرات السياسية السابقة التي قدمها الأميركيون وقوّضها الإسرائيليون، تشي بأن ساعة الرمل الأميركية لوقف الحرب، إنما يمسك بها نتنياهو، ولا أحد سواه.