اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١٨ أيار ٢٠٢٥
الكاتب: كريستين حنا نصر
الدولة السورية كانت تحت العقوبات الامريكية وقانون قيصر أثناء الحرب ، وبشكل خاص في فترة حكم حزب البعث السوري لبشار الأسد، حيث تمّ خلال هذه الفترة انشاء تحالفات للدولة السورية مع ايران وحزب الله، كما دخلت سوريا وشعبها حينها مرحلة اقتصادية صعبة جراء هذه العقوبات، إذ ازدادت تجارة الكبتاغون لتصبح مهنة تصديرها إلى دول الجوار تمويل للدولة السورية، والشعب السوري دفع ثمناً غالياً وباهضاً ليس فقط جراء الحرب بل أيضاً جراء العقوبات الاقتصادية التي عانى على اثرها مادياً واقتصادياً، وذلك بسبب غلاء المواد الاولية والتموينية وانقطاع الكهرباء وشح المياه، ولم تكن سوريا في هذه الفترة مرتبطة مع النظام المالي العالمي والمصارف العالمية ونظام التحويلات(SWIFT).
وبعد اسقاط نظام الاسد البائد في الثامن من ديسمبر الماضي، دخلت سوريا مرحلة جديدة في تاريخها وهو الانفتاح تدريجياً على الحضن العربي ، حيث تمّ قدوم العديد من الحكام والدبلوماسيين العرب وبمختلف الرتب لزيارة الشرع للتعاون والانفتاح مع سوريا الجديدة اقتصادياً واعادة الاعمار، ولكن العقوبات كانت عائقاً أمام أي تقدم اقتصادي، وبعد استلام السلطة من قبل الرئيس ترامب وعد أن يوقف الحرب في الشرق العربي، والان مؤخراً وبعد زيارة ترامب وجولته الخليجية الاخيرة، والتي كانت المملكة العربية السعودية أول محطة له وبعد مطالبة سمو ولي العهد الامير محمد بن سلمان برفع العقوبات الامريكية عن سوريا، فقد فاجئه ترامب وفي هذه الرحلة باعلان مفاجىء للجميع بإزالة العقوبات عن سوريا، وحينها تم أيضاً عقد لقاء تاريخي بين أحمد الشرع وترامب في السعودية وبحضور محمد بن سلمان ولي العهد السعودي.
وبعد هذا الاعلان دخلت سوريا مرحلة جديدة في تاريخها ، وهنا نلاحظ انفتاح سوريا تدريجياً على العالم والسوق الاقتصادي العالمي الحر ، بدلاً من اقتصاد الماضي الاشتراكي المحدود، مع اعطاء امتيازات للدولة الامريكية، وعقود معها لاعادة الاعمار ، علماً بأنه تتوفر حالياً بعض المباني والمشاريع الحكومية التي لم تكتمل عملية بنائها جرى سابقاً القيام بها مع ايران بوصفهم شركاء النظام البائد، وهي اليوم فارغة حتى الآن، علما بان هناك عقود مع روسيا لانشاء قواعد روسية على المياه الدافئة ومطالب من النظام السوري السابق لحمايته مقابل عقود مالية مبرمة بينهم، واليوم نلاحظ وبالمقارنة التحول في السياسة السورية اليوم من الحضن الايراني وحزب الله الى الحضن العربي وأيضاً الانفتاح والتعاون مع فرنسا على سبيل المثال ، حيث جرى معها إبرام عقد إدارة ميناء اللاذقية الى شركة فرنسية ولمدة 30 عاماً، ويمكن ايضاً القول بعد رفع العقوبات من الرئيس الامريكي ترامب بأن هناك امكانية للتعاون الاقتصادي مع امريكا، وبالطبع فإن ازالة العقوبات هي أيضاً مرتبطة بشروط امريكية بالغة الاهمية لتنفيذها، وهذه الخطوة سوف تساعد سوريا على الدخول في مرحلة الاستقرار والتي من أهم ملامحها عودة سوريا للمنظومة المالية العالمية سويفت(SWIFT) والذي سوف يسهل على سوريا الانضمام للتعامل مع البنوك العالمية ويسهل عليها أيضاً الحوالات البنكية، حيث كانت سوريا معزولة تماماً عن العالم اقتصادياً جراء العقوبات المفروضة عليها، وهذا بالطبع سوف يسهل اعادة الاعمار وتدفق رؤوس الاموال والمستثمرين الخارجيين، وتدفق الاموال الى سوريا وقدوم المستثمرين من شأنه اعادة الثقة في الدولة السورية ويشجع على الاستثمار فيها.
وفي هذه المرحلة البالغة الاهمية من تاريخ سوريا يجب حوكمة المصارف ومأسسة البنك المركزي السوري واعادة هيكلة الوزارات بشكل مؤسسي محترف، ووضع قانون استثمار حقيقي وإن تكون هناك نافذة أو هيئة واحدة للاستثمار بدلاً من أن تكون هناك عدة وزارات سببت التاثير في تعقيد الاجراءات واعاقة منح التراخيص، بل يجب تسهيل الاجراءات على المستثمر الخارجي، اذا كان يتم في الماضي أثناء حكم حزب البعث السوري اعاقة الاستثمار، فعلى سبيل المثال في فندق الفورسيزون (Four Seasons) في الشام تمّ تأخير هذا المشروع لعدة سنوات جراء البيروقراطية، وايضاً جراء الفساد الاداري والعراقيل التي كانت تعيق المشاريع، الى جانب السمسرة والارباح على حساب الاستثمار، فوجود نافذة واحدة امر مطلوب لتسهيل التراخيص وأيضاً لضبط ومنع الفساد الاداري، وهذه الهيئة المقترحة مهمتها التنسيق بين الوزارات المعنية بالاستثمار ورفع منسوب الشفافية والحوكمة الرشيدة ومأسسة المصارف السورية.
كل هذا طبعاً مرتبط بالانترنت وشبكة الكهرباء اذ يجب حل مشكلة الكهرباء في سوريا، وعندما تصبح سوريا ضمن نظام السويفت (SWIFT) الحديث فإن ذلك سوف يخلق عملياً فرصة حقيقية للاستثمار، والانتعاش الشامل والاهم خلق فرص عمل للسوريين والانفتاح مع العالم المالي والاقتصادي، وكل هذا من شأنه تحسين مستوى المعيشة وزيادة مدخول الفرد السوري، ولقد أعلن البنك الدولي عن شطبه ما مجموعه 15.5 مليون دولار متأخرة ومستحقة على الدولة السورية، وذلك بعد تلقي مدفوعات من دولة قطر والسعودية لدفع ما على سوريا من ديون للبنك الدولي، وهذا سوف يتيح لسوريا تقديم طلب للحصول على منح بملايين الدولارات مخصصة لاعادة الاعمار والموازنة السورية.
وهنا تدخل سوريا مرحلة جديدة بعد تاريخ من الانغلاق عن العالم، حيث تدخل اليوم مرحلة الانفتاح على الاسواق العالمية والاستثمارات العربية والاجنبية، وفي هذه المرحلة التأسيسية يجب التقدم في المجالات الاساسية مثل تحسين الوصول الى الكهرباء والحصول على الصحة والتعليم والمياه والطاقة وتوفير كافة سبل العيش الكريم ، ونلاحظ بعد اعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا ، استقبال الرئيس السوري احمد الشرع في قصر الشعب وفداً من رجال الاعمال والمستثمرين من دولة الكويت مهتمون بالاستثمار في سوريا الجديدة، وأيضاً وبشكل متوازي مع اعلان ترامب رفع العقوبات، تم الاعلان الهام أمس في نجاح وزارة الدفاع السورية في دمج كافة الوحدات العسكرية ضمن وزارة الدفاع السورية، وهذه كانت أهم المطالبات الامريكية لرفع العقوبات عن سوريا، وايضاً نلاحظ في كلمة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في القمة العربية المنعقدة أمس في الجمهورية العراقية، تأكيد الشيباني على ضرورة الوحدة العربية وهي ركيزة اساسية لبناء مستقبل آمن ومستقر ومزدهر للشعوب العربية جميعها، واكد الشيباني أيضاً انتماء سوريا الى هذه الأمة فهي مصدر قوة سوريا، كما شدد ان سوريا اليوم تعود الى الحضن العربي ومن جراح الانقسام الماضي الذي خلقه نظام الاسد البائد، وهنا نلاحظ أن سوريا تدريجياً تنضم الى الحضن العربي بدلاً من الحضن الايراني .
وهذه القمة العربية المنعقدة في العراق أيضاً ستؤكد على هذا المفهوم التعاوني، حيث اكد الدكتور جعفر حسان رئيس وزراء المملكة الاردنية الهاشمية وصرح بأن الاردن عوناً وسنداً لاشقائه العرب ، وان الاردن سيدعم سوريا الشقيقة وأمن واستقرار سوريا ووحدتها وسيادتها وازدهارها وعودة اللاجئين الطوعية الى سوريا، وأمل الاردن هو أن يرى سوريا مزدهرة وقوية ومستقرة ، وسوف يحرص الاردن على الوقوف مع الاشقاء السوريين في اعادة الاعمار ومنع كل ما يهدد هذه المسيرة.
وفي الختام أريد أن أكد على ان سوريا ومع اسقاط نظام الاسد البائد فيها، بات واضحاً عليها خلع ثوبها الايراني والتحرر من الاحزاب والمليشيات المرتبطة بها، والتي عزلت سوريا عن حضنها العربي، وها هي سوريا تدريجياً تتعافى وتنضم الى الحضن العربي وأيضاً تنفتح على العالم اقتصادياً، بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، والتي دمرتها وانهكت الشعب السوري الذي عانى الجوع والحرب والتشريد واللجوء، وها هي سوريا تنفض عنها غبار الماضي الاليم وتحالفات الماضي لتصبح سوريا الجديدة حرة أبية ان شاء الله .