كي يغري نتنياهو، ويشجعه على وقف إطلاق النار في غزة، وتنفيذ صفقة تبادل أسرى، تدخل الرئيس الأمريكي ترامب مباشرة في استقلالية القضاء الإسرائيلي، وطالب بإصدار عفو عن القائد الإسرائيلي، بل تمادى ترامب في مديحه لنتنياهو حين قال: سنعمل على زيادة عدد الدول المنضمة للاتفاقية الإبراهيمية، والساعية للتطبيع مع دولة العدو الإسرائيلي، في رسالة إغراء وتشجيع لنتنياهو، ليخرج من قيود مصطلح النصر المطلق الذي وضع نفسه داخله.

ترامب لم يكتفِ بالتشجيع، بل لوّح بالتهديد المباشر لنتنياهو حين قال: نحن من يحمي إسرائيل، ونحن من يقدم مليارات الدولارات السنوية لحماية أمن إسرائيل، وفي هذه رسالة ضغط مباشر على نتنياهو، للسير خلف ترامب، في مشروع وقف إطلاق النار في غزة، بل ذهب ترامب إلى ما هو أبعد من ذلك، حين رفض تحديد موعد لزيارة نتنياهو لأمريكا، قبل وقف إطلاق النار في غزة.

تدخل ترامب في القضاء الإسرائيلي لا يعكس الاستخفاف بالأسس القانونية التي تقوم عليها الدولة العبرية، وإنما يعكس القوة الأمريكية التي أمست ترى مصالحها الاستراتيجية تتعارض مع مصالح الحكومة الإسرائيلية، ومن هنا جاءت إشارة ترامب في منشوره إلى مليارات الدولارات التي تقدمها أمريكا لإسرائيل، في رسالة أمريكية إلى القيادة الإسرائيلية بأن أمريكا هي التي توفر لكم الحماية، وأن دولتكم العبرية تعيش على المساعدات الأمريكية، وعليه، فإن واجبكم هو مراعاة المصالح الأمريكية.

التحرك الأمريكي باتجاه وقف إطلاق النار في غزة جاء في ضوء معلومات استخبارية قدمها جهاز المخابرات المركزية الأمريكية، عن استحالة تحقيق النصر المطلق على غزة، وأن الجيش الإسرائيلي متورط في حرب مجهولة، وأن مكانة إسرائيل في المجتمع الدولي انهارت، وأن المجتمع الإسرائيلي بدأ يتفكك من داخله، وأن اقتصاد الدولة ووجودها باتا مهددين، وأن هزيمة الجيش الإسرائيلي في غزة ستنعكس على وجود الدولة نفسها، التي أمست بحاجة إلى من ينقذها من ورطتها، ويمد لها يد المساعدة من خلال تبرئة نتنياهو من تهم الفساد، مع اقتران وقف إطلاق النار في غزة بزيادة مستوى التطبيع مع بعض الدول العربية والإسلامية.

التطبيع مع بعض الدول العربية والإسلامية غير مضمون، ولم تُبدِ بعد أي دولة عربية أو إسلامية رغبتها في التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وهذا ما يؤكد أن التطبيع مجرد طعم تفاوضي يدركه نتنياهو جيداً، ولكنه سيبلع هذا الطعم، ما دام يوفر له الفرصة للخروج من غزة على هيئة منتصر، وقد ضمن التطبيع والعلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية والإسلامية مقابل الانسحاب من غزة مع وقف إطلاق النار.

 إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لا تسعى لوقف إطلاق النار في غزة خوفاً على أهل غزة كما يُظن، وليس رفضاً للمحرقة، وليس خجلاً من الدعم الأمريكي العسكري والدبلوماسي والمالي للعدوان الإسرائيلي، بمقدار ما هو إدراك أمريكي حقيقي باستحالة القضاء على المقاومة الفلسطينية، واستحالة تصفية وجود التنظيمات الفلسطينية داخل قطاع غزة، واستحالة كسر إرادة الشعب الفلسطيني.

القراءة الأمريكية الدقيقة للواقع الميداني في قطاع غزة، ولمستجدات الواقع في المنطقة، هي التي أثمرت هذا الضغط الأمريكي على الإسرائيليين للوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة.