*﴿وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ* }     الأعراف31

في غزة، كل بيت قُصف وحُرق هو شهادة على صبر الأرض وأهلها، الذين باتت بيوتهم كأوراق خريف تتساقط بيتًا بيتًا، حجرًا حجرًا. لا سقف يُظِلّ، ولا جدار يُؤمِن، إلا ستر الله ولطفه.

في رحى الجوع والخوف، تذبل قيمة العملة، ويصبح رغيف الخبز كنزًا مفقودًا، وحفنة الماء أمنية معلقة بين صاروخ وآخر. يطاردك الخوف أن يبتلع القصف مأواك الجديد، وتفجع بفقد لقيمات جمعتها بعرق دموعك.

في هذه المحرقة، لا مناص من الامتثال لأمر الله: كُل قليلاً واشرب قليلاً ولا تُسرف، عسى أن يُنبت الله من تحت الركام أمنًا من خوف، ورزقًا من جوع. وأن يُبدّل هذا البأساء فرجًا قريبًا، لأن وعد الله لا يخلف: { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِّنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِّنْ خَوْفٍ }.

قصف وتدمير البيت الأول ثم الثاني والثالث، وبيوت الأبناء واحدًا تلو الآخر، لا ملجأ إلا إلى الله… يبحث الناس عن مأوى في بيوت أقارب أو جيران، حيث لا تزال الجدران باقية. مشهد متكرر في شمال غزة الصامد حتى النصر أو الشهادة.

في كل مأوى تنزح إليه، عليك جمع شتات مؤن قليلة لا تكاد تجدها في الأسواق أو المحلات. تبحث عن فتات كما لو كنت تصعد نحو السماء.

ومع تضخم الأسعار وضعف العملة، صار 'القرش الأبيض' لليوم الأسود هو الأمل الوحيد، فتتبع نظامًا صارمًا في الأكل والشرب ليبقى رمق الحياة. لكن بعد أيام، تعود نيران القصف لتحرق ما ادخرته، فتفقد فتاتًا ثمينًا، وتحزن على مأوى لم يعد آمناً من الخوف، وتزداد معاناتك بفقد الأمن والطعام والماء.

في هذه المحرقة، يظل الالتزام بقواعد الله { كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا }، وأيضًا تحمل المشقة والصبر على الضراء { وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ }، هو سبيل النجاة.

ندعو الله أن يرزق أهل غزة الأمن من خوفهم، والرزق من جوعهم، وأن يبدل بأسهم فرجًا قريبًا، لأنه وعده الحق في كتابه الكريم { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِّنْ خَوْفٍ }.

اللهم يا ناصر المستضعفين، يا من لا يضيع عنده أمر، نسألك باسمك الأعظم أن تنزل على غزة الأمن والسكينة، وأن تفتح لها أبواب الفرج من حيث لا يحتسبون. اللهم اجعل من كل دمعة غيثًا، ومن كل جوع يصبرون عليه قوة تنبت أملًا جديدًا. اللهم صبرك وجبرك وثبات منك، وارزق غزة من حيث لا تحتسب، واجعل النصر قريبًا، ولا تجعل للظالمين علينا سبيلاً.