بيت لحم 2000 -في السابع عشر من تشرين الثاني من كل عام، يحيي العالم اليوم العالمي لأطفال الخدج، وهي مناسبة إنسانية تُسلّط الضوء على فئة من الأطفال تبدأ حياتها قبل الموعد الطبيعي للولادة، فتدخل إلى العالم بوزن صغير ونمو غير مكتمل، وتحتاج إلى رعاية طبية دقيقة وجهود مستمرة داخل وحدات العناية المركزة.

هذا اليوم هو فرصة لتقدير عمل الطواقم الطبية التي ترافق هذه الرحلة الصعبة، ولتقديم الشكر للعائلات التي تقف بثبات وصبر إلى جانب أطفالها، ولرفع الوعي بأهمية المتابعة الصحية أثناء الحمل وتحسين خدمات رعاية حديثي الولادة.

ضمن هذا السياق، تحدثت د. ميشلين القصيص، أخصائية الأطفال وحديثي الولادة في مستشفى العائلة المقدسة – الفرنسي، في حديث خلال برنامج 'يوم جديد' مع الزميلة سارة رزق، الذي يبث عبر أثير راديو بيت لحم 2000، عن أبرز محاور رعاية الأطفال الخدج والتحديات الصحية المرتبطة بهم.

ما المقصود بالطفل الخديج؟

يُعرّف الطفل الخديج بأنه المولود قبل الأسبوع 37 من الحمل، أي قبل اكتمال نمو أعضائه الحيوية داخل الرحم. وتؤكد د. القصيص أن الخداج درجات، تبدأ من الخداج المتأخر (34–36 أسبوعًا)، مرورًا بالدرجات المتوسطة والشديدة، وصولًا إلى الخداج الشديد جدًا، حيث قد يولد الطفل بوزن أقل من كيلوغرام واحد.

كلما كان العمر الحملي أقل، زادت الحاجة إلى دعم طبي مكثف، وارتفع احتمال وجود مضاعفات مبكرة.

أسباب الولادة المبكرة

تتنوع أسباب الخداج بين ما يتعلق بصحة الأم، وما يرتبط بطبيعة الحمل، ومن أهمها:

التهابات الحمل أو الأغشية

ارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل

مشاكل في المشيمة أو الرحم

الحمل المتعدد خاصة مع زيادة استخدام الإخصاب الصناعي

الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض الكلى والقلب

العوامل السلوكية والصحية مثل التدخين وسوء التغذية

وفي بعض الحالات لا يكون السبب واضحًا.

أبرز المخاطر الصحية في الأسبوع الأول

يُعد الأسبوع الأول من حياة الطفل الخديج الأكثر حساسية، نظرًا لعدم نضج أجهزة الجسم، وأبرز المضاعفات تشمل:

1. الجهاز التنفسي

متلازمة الضائقة التنفسية (RDS)

الحاجة للتنفس الصناعي أو الدعم التنفسي المتخصص

نقص مادة 'السيرفاكتانت' الضرورية لعمل الرئتين

2. الجهاز القلبي

استمرار القناة الشريانية المفتوحة (PDA)، ما يؤثر على الدورة الدموية

3. الجهاز العصبي

النزيف داخل الدماغ

إصابة المادة البيضاء

نوبات تشنجية

مشاكل محتملة في التطور لاحقًا

4. الجهاز الهضمي

التهاب الأمعاء والقولون (NEC)، وهو من أخطر المضاعفات

5. جهاز المناعة والدم

قابلية عالية للإصابة بالالتهابات

الحاجة المتكررة لنقل الدم أو الصفائح

مشاكل السكر والأملاح واليرقان

كيف تختلف رعاية الأطفال الخدج؟

تتطلب حالة الخديج رعاية دقيقة تختلف جذريًا عن رعاية الطفل المولود بموعده، وتشمل:

الإقامة في وحدة العناية المركزة

وضع الطفل داخل حاضنة تحاكي بيئة الرحم

مراقبة مستمرة للعلامات الحيوية

دعم تنفسي متنوع

التغذية عبر الوريد ثم عبر أنبوب معدي وصولًا للرضاعة الطبيعية

متابعة طويلة الأمد لنمو الطفل الحركي والعصبي

داخل الحضانة… ماذا يحدث؟

تشرح د. القصيص أهم الإجراءات داخل العناية المركزة للأطفال الخدج:

توفير بيئة شبيهة بالرحم (حرارة، رطوبة، هدوء)

استخدام أجهزة تنفس متقدمة تعتمد على “التهوية اللطيفة”

إعطاء مادة السيرفاكتانت بطرق حديثة تقلل الحاجة للتهوية الاصطناعية

سياسة صارمة لمنع العدوى وتعقيم اليدين

البدء المبكر بالتغذية التدريجية مع تفضيل حليب الأم

المتابعة المستمرة للسكر والأملاح

دور العائلة… ركن أساسي في العلاج

وجود الأم والأب بجانب الطفل جزء أساسي من خطة العلاج، إذ يسهم في:

شعور الطفل بالأمان

تحسين التنفس

زيادة الوزن

تعزيز النمو العصبي

تقليل مدة الإقامة في المستشفى

وتوصي د. القصيص بممارسة التلامس الجلدي (طريقة الكانغر) منذ الأيام الأولى، وتشجيع الرضاعة الطبيعية.

هل يؤثر الخداج على النمو لاحقًا؟

قد تظهر عند بعض الأطفال الخدج مشكلات مستقبلية مثل:

تأخر الجلوس والمشي

صعوبات التعلم والسلوك

مشاكل السمع والرؤية

تأخر بزوغ الأسنان

لكن المتابعة الطبية المبكرة والمستمرة حتى سن السنتين تساعد غالبية الأطفال على تخطي هذه التحديات والنمو بشكل طبيعي.

كيف تُقلّل الأم من خطر الولادة المبكرة؟

متابعة طبية منتظمة خلال الحمل

علاج الالتهابات فور ظهورها

السيطرة على ضغط الدم والسكري

التغذية الجيدة والراحة

الامتناع التام عن التدخين والأرجيلة

التعرف إلى العلامات الخطرة التي تستدعي التوجه للطبيب فورًا

تطورات طبية حسّنت نسب النجاة

شهدت السنوات الأخيرة تطورات مهمة أبرزها:

أجهزة تنفس أكثر لطفًا على رئتي الطفل

استخدام طرق جديدة لمنح السيرفاكتانت دون الحاجة للتهوية الاصطناعية

العناية العصبية المتقدمة

تطبيق طريقة الكانغر بشكل موسع

إعطاء الأم الكورتيزون والمغنيسيوم قبل الولادة عند الاشتباه بالخداج

تعزيز سياسات مكافحة العدوى

هذه التطورات ساهمت في رفع نسبة النجاة وتحسين جودة حياة الأطفال الخدج حول العالم.

رسالة اليوم العالمي للخداج

تختتم د. ميشلين القصيص حديثها برسالة مؤثرة:

'ولادة طفل خديج ليست نهاية حلم الأمومة، بل بداية رحلة خاصة من الرعاية والحب والصبر.'

فبدعم العائلة، ورعاية الطواقم الطبية، وتقدم العلم، يستطيع هؤلاء الأطفال الصغار أن يكبروا بنجاح ويعيشوا حياة صحية وسعيدة.