نوال أبو حيدر

يمرّ الوضع الاقتصادي في لبنان بأزمة حادّة، تتفاقم بشكل كبير وسط التهديدات الإقليمية وتصاعد التوترات نتيجة الحرب الإيرانية - الإسرائيلية. لبنان، الذي يعاني أصلاً من انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق منذ سنوات، يجد نفسه في مواجهة ضغوط إضافية تهدّد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي فيه.

هذه الحرب الإقليمية تزيد من حالة عدم اليقين السياسي والأمني، ما يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وتراجع الاستثمارات الأجنبية، ويزيد من صعوبة وصول المساعدات الدولية التي يحتاجها لبنان بشدّة. كذلك، يؤثر التصعيد العسكري على استقرار الحدود اللبنانية، ويزيد من المخاوف من تداعيات على قطاعاته الحيوية مثل الزراعة والتجارة والسياحة، التي هي أساس الاقتصاد اللبناني.

كما أن الانهيار المستمر للعملة الوطنية وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة يفاقم معاناة اللبنانيين، ويزيد من نسبة الفقر والبطالة بشكل كبير. في ظل هذه الظروف، يواجه لبنان تحدّيات ضخمة لإعادة بناء اقتصاده وتحقيق الاستقرار وسط بيئة إقليمية متوترة تحيط به من كل جانب. فكيف يمكن للبنان، الذي يعاني أصلاً من أزمة اقتصادية ومالية حادّة، أن يحقق الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة والحرب الإيرانية - الإسرائيلية، والتي تزيد من حالة عدم اليقين؟

تأثير التوترات الإقليمية والحرب الإيرانية - الإسرائيلية على اقتصاد لبنان!

من هذا المنطلق، يقول الباحث الاقتصادي والمالي، الدكتور محمود جباعي لـ «اللواء» إنه «إذا استمر الصراع بين إيران وإسرائيل وتحوّل إلى نزاع إقليمي، فمن المؤكد أن لبنان والمنطقة سيتأثران اقتصادياً. فالسبب الأساسي هو ارتفاع أسعار النفط، حيث قد يصل سعر البرميل إلى نحو 100 دولار، مما سينعكس مباشرة على أسعار المحروقات وجميع السلع والخدمات بنسبة تتراوح بين 10% و20%. وهذا بدوره سيزيد من الأعباء على لبنان، خاصةً مع تفاقم مشكلة التضخم الذي يعاني منها في الوقت الحالي».

دور «السياسة الداخلية اللبنانية» في حال تطوّر النزاع..

في سياق متصل، يعتبر جباعي أنه «ينبغي على السياسة اللبنانية أن تبتعد عن أي تورّط في الحرب، وعلى الحكومة اللبنانية أن تتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً تُبلّغه لجميع الأطراف، بأن لبنان ليس طرفاً في هذا الصراع، لا بشكل مباشر ولا غير مباشر. هذه المهمة تقع على عاتق رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي نضع ثقتنا الكاملة في جهوده وخطواته لحماية لبنان، بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري والرئيس نواف سلام. ويأتي هذا التوجه في إطار الحرص على تجنيب البلاد تداعيات الكوارث السياسية، الأمنية، الاقتصادية والاجتماعية المحتملة».

خيارات لبنان المتاحة لجذب الاستثمارات في ظل الأوضاع المتوتّرة؟

على هذا الصعيد، يرى أنه «في ظل هذه البيئة الإقليمية المتوترة المنطقة بأكملها ستتأثر بالاستثمارات ولا أظن أن أحد سيقوم بأعمال استثمارية وسط الحرب، لذلك نتمنى أن تنتهي هذه الحرب بأسرع وقت ممكن ويعمّ السلام والأمن في كافة المنطقة أنها لا تتحمّل المزيد من الحروب والكوارث، وتأثيرها سيكون كبير جداً على النواحي الاقتصادية، وأخص بالذكر لبنان الذي يعاني بالأصل من أزمة اقتصادية مالية خانقة وبعد محاولات الخروج منها، فبالتالي يجب أن يكون في انتباه من هذا الأمر».

تأثير التوتّرات القائمة على حياة اللبنانيين...

بالتوازي، يعتبر جباعي أنه «من المؤكد أن تأثير النزاعات القائمة سيطال مستوى المعيشة وفرص العمل في لبنان، كما أن الواردات عبر المضائق القريبة ستتأثر، خاصة في حال تصاعد وتوسّع رقعة الحرب وإغلاق البحر المتوسط، نظراً لأن أكثر من 85% من حاجات لبنان الاستهلاكية تُستورد من الخارج. هذا الواقع سينعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين، ويؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني، والمؤسسات، وفرص التوظيف، وسيفاقم الضغوط المالية والتضخم. وبالتالي، لا يمكن فصل لبنان عن هذه التداعيات. ما يمكن فعله حالياً هو التزام الحياد، وتجنّب الانخراط في أي نزاع، على أمل ألا تتطور الأوضاع وألا تمتد نيران الصراع إلى الداخل اللبناني».

في الخلاصة، وفي ظل الأوضاع الإقليمية المتوترة والتهديدات المتصاعدة، يبقى لبنان أمام تحدّيات كبيرة تستدعي أقصى درجات الحذر والحكمة، لأن التداعيات المحتملة لأي تصعيد عسكري في المنطقة لن تقتصر على الجانب الأمني، بل ستمتد لتطال الاقتصاد، المعيشة، وفرص العمل، في بلد يعاني أساساً من أزمات خانقة. من هنا، فإن النأي بالنفس، واعتماد سياسة متوازنة، وتفعيل المؤسسات الدستورية، هي خطوات ضرورية لتفادي الأسوأ. إن المسؤولية الوطنية تقتضي اليوم موقفاً موحّداً يضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، ويمنح الأمل بإمكانية عبور هذه المرحلة بأقل الأضرار الممكنة.