الكاتب: تحسين يقين

في الطريق لتأمين دولة الاحتلال من الخطر لزيادة عمرها عقدا من الزمان، فإنه وإن خف الخطر، فإن النتيجة أنها ماضية في إنهاء نفسها. وسيقول المؤرخون: لقد سقطت الدولة وهي في كامل قوتها!

وسيقولون: لقد سقطت وهي كذلك بهذه القوة الكاملة، بسبب أنها كانت في كامل وهمها. لذلك وإسرائيل المحتلة، إن ستنجح في إسقاط منظومة الحكم في إيران، فإن نظامها العنصري الكولينيالي سيؤول إلى الانتهاء.

كسرت دولة الاحتلال تقليدا قديما بجعل الحرب في أرض العدو، حين أصبحت في أرض العدو وأرضها (الأرض المحتلة طبعا). وهكذا فإن النبوءة تتحقق، حين زاد أمل المفكرين بقرب زوال دولة الاحتلال على أيدي المتطرفين هؤلاء.

تستطيع الدول الأصيلة في المنطقة، حتى تلك الدول التي حدثت فيها وتحدث تحولات في منظومات الحكم، وإيران منها، التي أصبحت جمهورية إسلامية عام 1979، أقول تستطيع التعايش في ظل عقد دولي معين، لأن من السهولة أن تتحقق المصالح لتلك الدول معا، أما الدولة الغريبة، فهي مهما فعلت، فلن تجد نفسها هنا، كونها مستوطنة القاعدة العسكرية التي في مرحلة معينة لن يكون لها حاجة، في ظل تحولات في العلاقات الدولية باتجاه التفاهم بعيدا عن الصراع.

لذلك، فإن العد العكسي بدأ، لأنه سيصعب على قادة تسبل الدماء منها البقاء على كراسي الحكم، فكيف سيبقى كاتس وزير الدفاع الذي يتوعد بحرق طهران مثلا منتميا للأسرة الدولية؟

ليس على دولة الاحتلال اليوم الا التوقف عن هذا الجنون، وفتح صفحة جديدة الآن، من خلال تسليم الحكم لقادة جدد ليس على أيدهم دماء، واختيار حل الدولتين أو الدولة الواحدة، وتخفيف العداء مع المحيط، حيث سيصعب على الدول البقاء في حالة الخوف، فلا تطبيع يستمر ولا الاحتلال سيستمر.

كان على إسرائيل المحتلة، التي تصف نفسها بدولة اليهود أن تكون أكثر وفاء لإيران، وإن اختلفت المصالح، فقورش الفارسي هو من حرر اليهود من السبي البابلي قي القرن السادس قبل الميلاد.

كان على دولة الاحتلال أن تقرأ التاريخ بعمق وتركيز، إن أرادت أن تنتسب للحاضر، أو كي تزيد عمر المستوطنة العسكرية عقدا أو أكثر قليلا. لكن يبدو أن الاحتلال لا يريد رؤية أحد هنا، فهو لا يطيق أي دولة ترفع رأسها، فالذي يكره إيران من جهة فإنه يكره مصر وسوريا والعراق والسعودية وتركيا وباكستان، وحتى الهند لا يحبها.لا يحب الجزائر ولا ماليزيا ولا أندونيسيا، ..فالدولة الطارئة الحاضرة فقط بقوة السلاح والحلفاء تود محو التاريخ والمستقبل معا، فإذا بها تمهّد الطريق لمحو ذاتها.

إن إيران البلد التي زاد الصهاينة من الجدل حولها، لم يكن لأنها تغيرت إلى الجمهورية الإسلامية عام 1979، بل لكونها دولة تمتلك عناصر القوة فقط لا غير.

وإيران-بلاد فارس هذه دولة قديمة تتابعت فيها أشكال الحكم، لسبب بسيط ألا وهو وجود شعب مبدع وحيّ، فبالرغم من التحولات على مدار 3 آلاف عام، إلا أن الشعب هناك كان في طليعة الحضارة العالمية. بل كانت في الحقيقة أول دولة عالمية قبل الميلاد ب6 قرون. وكان لها السبق في التقريب المتواصل بين الشرق والغرب، وكانت أول إمبراطورية عالمية متسامحة دينياً. فقد تعدد بها الكثير من اللغات والأعراق والديانات والثقافات.

الغريب في هذا التاريخ هو أن الدول المنتصرة مثل اليونان بقيادة الاسكندر استفادت من المنجز الفارسي، حيث تبنته الإمبراطورية الرومانية، خاصة ما يتعلق بحكم الدولة والقانون.

وهذا ذكرني حينما قضى العرب على نظام الحكم المتمثل بالأسرة الساسانية، في الفترة الأول من نشوء الدولة العربية في القرن السابع الميلادي، لكن الغريب (وهو متوقع كما يليق بالحضارات) أنه ما إن قامت الدولة العباسية، حتى وجدنا (الفرس) في طليعة البناء، حين تم الاعتماد عليهم في كثير من وظائف الدولة، حيث عادت التقاليد الفارسية تغلغل في نظام الحكم العباسي. مثال ذلك أسرة البرامكة الفارسية التي صار لها شأن كبير في النظام السياسي العباسي، وتقلد كثير من أفرادها مناصب وزارية هامة في الدولة العباسية. صحيح تغير وانتهى النظام السياسي الساساني لكن بقي الشعب، والذي لم تمض الكثير من السنوات حتى عاد ليحكم نفسه، بعد ضعف الحكم العربي، حيث وصلت ممالك فارسية محلية متعددة إلى سدة الحكم، ومرة أخرى، أصبحت فارس مركزاً للفن والأدب والعلوم. وكان للفرس أثر كبير في ازدهار الحضارة الإسلامية. وقد برز في هذه الحقبة نخبة من علماء المسلمين، مثل ابن سينا في الطب وعلوم أخرى، وسيبويه في علم النحو، والخوارزمي، في الفلك والجبر، والرازي في الطب.

وتكرر تأثر الغزاة بهم، فحين تولى غازان خان، حفيد هولاكو العرش، وكانت فترة حكمه العهد الذهبي للمغول في إيران، كان أول قائد يعتنق الإسلام، وصار طابع البلاط في مدينة تبريز العاصمة إسلامياً فارسياً تماماً، وكانت الإدارة الرشيدة والرخاء أهم مميزات عهده. وساعدت إمبراطورية المغول المترامية في تسهيل تبادل الأفكار والبضائع بين الصين والهند وفارس.

وماذا بعد؟

اليوم التالي؟

والأيام التالية؟

إما أن تستمع الدولة الغريبة لصوت العقل فيصير سكان المستوطنة شعبا طبيعيا عاديا، ينتمون للعالم والعصر، أو تستمر في إنهاء نفسها كنظام ظلامي وظالم. وقد قيل من حفر حفرة وقع فيها.

[email protected]