مع استمرار حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي ضدّ قطاع غزة منذ أكثر من 560 يومًا، لم تقف المقاومة الفلسطينية مكتوفة الأيدي، إذ لا تزال تنفّذ العمليات العسكرية المختلفة ضمن إطار تصديها للإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.

وفي هذا السياق، أكّد الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية نضال أبو زيد أن العمليات العسكرية التي تنفذها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تعكس تصعيدًا تكتيكيًا محسوبًا، يهدف إلى استنزاف قوات الاحتلال الإسرائيلي من خلال ما وصفه بـ'الكمون التكتيكي' والتركيز على 'هدف الفرصة'، وهو الهدف الذي يحقق أقصى خسارة في صفوف العدو بأقل تكلفة ممكنة.

وكشفت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مؤخرًا عن كمين مركّب نفّذته ضد قوات الاحتلال شرق خانيونس جنوبي قطاع غزة، حيث تمكّن عناصرها من استهداف قوة هندسية صهيونية راجلة بقذيفة مضادة للأفراد، ثم الاشتباك معها من نقطة الصفر باستخدام الأسلحة الرشاشة، مما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى.

وقال أبو زيد، في حوار خاص مع 'فلسطين أون لاين'، إن المقاومة تركّز بشكل واضح على استهداف العنصر البشري في جيش الاحتلال، بعد أن باتت القوة البشرية نقطة ضعف رئيسية، غير قابلة للمعالجة السريعة من القيادة العسكرية للاحتلال.

وأضاف: 'أغلب خسائر الاحتلال الأخيرة كانت بشرية، وليست في المعدات أو الآليات، وهذا يعكس تحولًا استراتيجيًا في عمل المقاومة'.

وأشار إلى أن العمليات النوعية وقعت في مناطق متفرقة من القطاع، أبرزها المنطقة الشمالية الشرقية لبيت حانون شمالًا، وتل السلطان في رفح، وقيزان النجار في خانيونس جنوب القطاع، ما يدل على الانتشار الواسع للمقاومة، خلافًا لما تروّج له حكومة الاحتلال من حصرها في منطقة محدودة.

الاقتصاد بالجهد

وأوضح أبو زيد أن المقاومة تتبع نهجًا عسكريًا يُعرف بـ'الاقتصاد بالجهد'، من خلال إدارة المعركة بإمكانيات محدودة ولكن فعالة. وقال: 'المقاومة تدرك أن المواجهة طويلة، لذلك تتعامل بمرونة وذكاء، ولا تستنزف قدراتها دفعة واحدة، بل توزّعها وفق أولويات عسكرية دقيقة'.

وفي ما يتعلّق بالقوة البشرية، بيّن أبو زيد أن الاحتلال قدّر عدد عناصر المقاومة بنحو 20 ألفًا، بينما تشير التقديرات الأمريكية إلى 25 ألفًا.

وأضاف: 'في العرف العسكري، تحتاج أي قوة مهاجمة إلى ثلاثة أضعاف القوة المدافعة للسيطرة على الأرض، أي أن الاحتلال بحاجة إلى 60 ألف جندي لشن عملية عسكرية ناجحة في غزة، وهو ما يتطابق مع ما أعلنته (إسرائيل) بالفعل'.

لكنه أكّد أن جيش الاحتلال يواجه أزمة استنزاف شديدة، خاصة في صفوف الاحتياط، حيث انخفضت نسبة الالتحاق من 85% إلى 65% خلال الشهور الماضية.

وقال إن ذلك يضعف قدرة الاحتلال على التوسع ميدانيًا، ويُجبره على إعادة نشر قوات من جبهات أخرى، مثل جنوب لبنان أو سوريا.

ونبّه أبو زيد إلى مؤشرات تدهور في الحالة النفسية والجاهزية القتالية للجنود الإسرائيليين، مستشهدًا بـ'كمين كسر السيف' الذي بثّته المقاومة، حيث ظهر الجنود دون تجهيزات قتالية، بما في ذلك الخوذ والدروع الواقية.

وأضاف: 'حتى الضابط الذي جاء لإنقاذ الجندي لم يتخذ أي إجراءات دفاعية، ما يشير إلى تراجع في الانضباط والجاهزية القتالية'.

وكشف عن حادثة صادمة تناقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، وهي نسيان جندي إسرائيلي في محور موراج لمدة ثماني ساعات، قبل أن تعثر عليه وحدة جولاني، في مؤشر خطير على حالة الفوضى داخل القيادة الميدانية لجيش الاحتلال.

فجوة واضحة

وفي سياق متصل، أشار أبو زيد إلى وجود فجوة واضحة في الخطاب بين المستويين السياسي والعسكري في 'إسرائيل'، خاصة بعد التصريحات المتضاربة حول أهداف العملية في غزة. ففي حين صرّح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأن هدف الحرب هو 'القضاء على حماس'، قال رئيس الأركان إيال زامير إن الهدف هو 'استعادة الأسرى'.

وقال إن هذا التناقض يعكس ارتباكًا في الأولويات، وقد يتعمق إذا استمر القتال دون حسم، الأمر الذي يهدد بتفاقم الأزمات داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.

وحول السيناريوهات المتوقعة في قادم الأيام، توقّع أبو زيد أن تستمر 'إسرائيل' في التصعيد الإعلامي والعسكري حتى منتصف مايو/أيار الجاري، بالتزامن مع الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وأوضح أن تل أبيب تسعى لخلق حالة ضغط إعلامي لإجبار المقاومة على تقديم تنازلات قبل الدخول في مسار تفاوضي قد تُفرض فيه 'معادلة الكل مقابل الكل'، أي الإفراج عن جميع الأسرى مقابل انسحاب كامل من غزة.

وأكّد أن على المقاومة أن تواصل سياستها الحالية في 'الاقتصاد بالجهد'، وألا تنجرّ إلى معارك مفتوحة تهدف إلى استنزافها.

وختم حديثه بالقول: 'الاحتلال هو من يُستنزف فعليًا، رغم كل ما يروّج له من نصر إعلامي زائف، والميدان هو الحكم الفعلي في هذه المعركة'.

وكانت 'القسام' قد كشفت الأحد الماضي عن تفاصيل ثلاث عمليات نفّذتها في مدينة رفح جنوب القطاع، يوم السبت، واعترف جيش الاحتلال بمقتل جنديين فيهما وإصابة آخرين، بعضهم بجروح حرجة.

ووصل عدد الجنود الذين اعترف الاحتلال بمقتلهم، منذ إنهائه وقف إطلاق النار في 18 مارس/آذار الماضي، إلى 6 جنود، إضافة إلى إصابة العشرات.