قُدس الإخبارية: منذ السابع من أكتوبر 2023، تؤكد بيانات رسمية تصاعد هجمات مليشيات المستوطنين في مناطق الضفة الغربية المحتلة، وسط غياب المحاسبة، وتحت غطاء أمني يقدمه اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو.

وإلى جانب اعتداءات جيش الاحتلال، ارتفعت حدة هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين، بالضفة الغربية، متسببة في استشهاد ما لا يقل عن 1073 فلسطينيا، وإصابة نحو 10 آلاف و700 آخرين، إضافة لاعتقال أكثر من 20 ألفا و500 مواطنا، خلال عامين من الحرب الإسرائيلية على غزة.

وبينما كانت تُذبح غزة على مرأى من العالم، واصلت بل وزادت عصابات المستوطنين حدة الهجمات على الفلسطينيين وممتلكاتهم في قرى وأراضي الضفة الغربية، مستغلةً الغطاء الذي توفره لها حكومة نتنياهو، ناهيك عن التقليل من تلك الهجمات بوصفها 'أعمال شغب'.

وفي الوقت الذي تصاعدت فيه تلك الهجمات خلال عامي الحرب على غزة، يعتقد الباحث في التطرف وأستاذ في جامعة ماساتشوستس، آري بيرليجر، أن 'هجوم السابع من أكتوبر 2023، رسّخ قناعة عند العديد من اليهود الإسرائيليين، بأن الدولة الفلسطينية ستشكل تهديدا وجوديا، مما زاد قناعتهم بأن الفلسطينيين لا يمكن أن يكونوا شركاء في السلام'.

ويقول بيرليجر في مقال نشره عبر موقع 'ذا كونفرسيشن' إن 'هجمات المستوطنين كانت تثير انتقادات المستوى السياسي سابقا، لكنها اليوم تواجه إدانة عامة أقل، وسط تقاعس حكومة الاحتلال عن بذل الجهود للحد منها'.

ويؤكد الباحث أن مناخ الإفلات من العقوبة ساهم في زيادة عنف المستوطنين، وساعد في ذلك، أيضا، استنزاف قوات الأمن الإسرائيلية بشكل كبير بسبب الحرب على غزة.

ويبين أن جيش الاحتلال يعتمد بشكل متزايد على ميليشيات المستوطنين المعروفة باسم 'فرق الطوارئ'، التي يسلحها جيش الاحتلال للدفاع عن النفس، وعلى وحدات مكونة من المستوطنين المتدينين، مثل كتيبة 'نيتسح يهودا'، مؤكدا أنه 'ليس لدى هذه المجموعات حافز كبير لوقف الهجمات على الفلسطينيين، بل وتشارك في ذلك'.

في الوقت نفسه، تركز شرطة الاحتلال، بقيادة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، على حماية المستوطنين، وسط اتهامات متزايدة بتجاهل التحذير من هجمات المستوطنين، وأوامر اعتقالهم، وعدم تنفيذ أي أوامر تحد من تلك الهجمات.

ووفق معطيات حقوقية، استند لها الباحث، فإن 3 في المائة فقط من هجمات عصابات المستوطنين ضد الفلسطينيين، أسفرت عن إدانة. ويرى المستوطنون أن الجهود المبذولة لتقييد أنشطتهم غير شرعية و'خيانة للمصالح اليهودية' في الضفة الغربية.

ترسيخ السيطرة اليهودية

ومن المؤكد، أن العنف الذي يمارسه المستوطنين ليس عشوائيا، وإنما هو أسلوب ممنهج، بحماية من المستوى السياسي، ويهدف إلى ترسيخ السيطرة اليهودية على الضفة الغربية.

ولأجل ذلك، يقلّل نتنياهو من جرائم المستوطنين، ويصفها بـ'أعمال شغف'، ويعتبرهم وزير الخارجية جدعون ساعر، بأنهم 'مثيري شغب'.

ومنذ بدء الإبادة الجماعية في غزة، عملت عصابات المستوطنين في الضفة الغربية بشكل منسق ومتناغم مع جيش الاحتلال. ويُستخدم مصطلح 'عنف المستوطنين' للتغطية على جرائمهم والتقليل من أهمية وضع خطة رسمية لمحاربة تلك الهجمات.

وتريد حكومة الاحتلال إخفاء دورها في استعمار الضفة الغربية، وتسمح للمستوى السياسي والجيش والرأي العام برفض هذه الهجمات باعتبارها عمل 'حفنة من المتطرفين'.

ويتمتع المستوطنون بحصانة من المستوى السياسي، لا سيما وزراء اليمين المتطرف بالحكومة، ومن النادر أن توجه انتقادات من كبار المسؤولين الإسرائيليين لعنف المستوطنين في الضفة الغربية.

ولا يمكن أن يكون تصعيد المستوطنين منذ السابع من أكتوبر 2023، عرضيا، وإنما جزء من سياسية ممنهجة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم، بدعم وتستر كامل من الجيش والشرطة.

وبدأت هذه السياسة منذ تكليف وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، بالإدارة المدنية للضفة، وتعيين بن غفير وزيرا للأمن الداخلي، وصولا إلى قيام وزير الجيش يسرائيل كاتس بإلغاء أوامر الاعتقال الإداري ضد المستوطنين.

وفي الوقت الذي تسمح فيه حكومة الاحتلال، بتوسيع المستوطنات ومصادرة آلاف الدونمات بالضفة الغربية، تزيد تصريحات بن غفير الداعية لاغتيال القيادات الفلسطينية، وتأكيد سموتيريتش بأن منع قيام دولة فلسطينية هي مهمة حياته، من حدة هجمات المستوطنين.

في غضون ذلك، قالت صحيفة 'الغارديان' في تقرير لها إن سلطات الاحتلال لا تبذل جهدا في السيطرة على المستوطنين في الضفة، حيث أنه من كل 20 تحقيق مفتوح في عنف المستوطنين، يوجه اتهامات في ملف واحد فقط.

وفي عهد بن غفير، رصد التقرير، انخفاضا بنسبة 73 في المائة في عدد التحقيقات المفتوحة منذ عام 2023. وفتحت شرطة الاحتلال 60 تحقيقا فقط في عنف المستوطنين عام 2025، مقارنة بـ150 حالة في عام 2024، و235 حالة في 2023.

وفي بيانات أوردتها منظمة 'يش دين' الحقوقية الإسرائيلية، فإن 94 في المائة من ملفات التحقيق في عنف المستوطنين بين عامي 2005 و2024، انتهت دون توجيه اتهامات. ومنذ عام 2005، لم تفض سوى 3 في المائة من الملفات إلى إدانات كاملة أو جزئية.