نظّمت ​جامعة الحكمة​ ندوة حوارية بعنوان '​مفهوم الرجاء​ في ​الديانات التوحيدية​'، ضمن فعاليات السنة اليوبيلية 2025 – حجّاج الرجاء، في إطار رسالتها القائمة منذ تأسيسها على تعزيز الحوار والانفتاح وترسيخ القيم الإنسانية والوطنية.

استهلّ الندوة مرشد جامعة الحكمة الخوري جوزيف نايل بكلمة ترحيبية أكد فيها أن تنظيم هذا اللقاء يعبر عن تمسك الجامعة برسالتها الوطنية والإنسانية الجامعة، وحرصها على تقديم خلاصة فكرية تجمع وتحقق التلاقي في زمن يضج بالانقسامات والحروب.

ثم تحدث الدكتور أحمد الزعبي، أستاذ الدراسات الإسلامية في معهد الآداب الشرقية (ILO) ومعهد الدراسات الإسلامية والمسيحية (IEIC) في جامعة القديس يوسف، فأوضح أن 'مقام الرجاء مقام عظيم، وهو ترقب الخير والأمل في الحصول عليه، والامتلاء بالأمل من أجل المستقبل والعيش به لنيل المأمول'. وأضاف أن 'الرجاء سياحة دائمة في أفق السير إلى الله، هربًا من الشرور واحتماء بالخيرات بجناحي الاستغفار والدعاء'، مشيرًا إلى أن 'وثيقة الأخوة الإنسانية لعام 2019 تمثل واحدة من أهم المبادرات الدينية في العصر الحديث'، داعيًا إلى استحضارها عشية الزيارة المرتقبة لقداسة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان.

من جهته، قال الشيخ الأستاذ محمد حسن زراقط، أستاذ الفقه والمعارف الإسلامية ومدير قسم البحوث في جامعة المصطفى العالمية، إن 'الرجاء باب من أبواب الاعتقاد بالله، ويمكن اعتباره فضيلة من الفضائل في الرؤية الإسلامية، إذ يقع بين رذيلتين تصنفان من الكبائر هما اليأس من رحمة الله والأمن من مكر الله'. وأوضح أن 'الرجاء يرتبط بالتوكل والثقة بالله وحسن الظن به، وأن الله فتح أبواب الرجاء من خلال الدعاء والتوبة، لأنه الغفور الرحيم التواب الكريم'. وأضاف أن 'الرجاء باب من أبواب العمل، فالإنسان لا يمكن أن يقدم على أي فعل إلا عندما تكون جذوة الرجاء مشتعلة في نفسه، ولولا الرجاء لتحول العمل إلى عبث'.

أما البروفسور نهى ملاعب، المتخصصة في تاريخ العالمين الإسلامي والمتوسطي (الأوروبي) السياسي والحضاري – الديني في العصور الوسطى، فاعتبرت أن 'الرجاء في التصور العرفاني الدرزي هو الواسطة الروحية بين المؤمن والرحمة؛ فكلما صفا الرجاء من شوائب الخوف أو الطمع، ازدادت قابلية السالك لتلقي الفيض الإلهي والرحمة'. وأوضحت أن 'الهدف الذي يسعى إليه الموحد في حياته هو بلوغ الرحمة بالرجاء'، مشيرة إلى أن 'تعاليم أئمة الموحدين كانت رحمة للمؤمنين، تهديهم إلى الفضيلة التي تقوم على الإخلاص والمراقبة الذاتية للنفس والارتقاء بها رجاء الفوز بمغفرة الله ورحمته'.

وتحدث الأب إميل عقيقي، المتخصص في الديانة اليهودية واللغة العبرية القديمة والحديثة، عن مفهوم الرجاء في الديانة اليهودية، موضحًا أن 'الرجاء في حياة اليهودي ليس مجرد نظرية بل واقع يعيشه في هذا العالم، إذ تحمل الصلوات الفردية والجماعية سمة الرجاء والتماس قيامة الأموات، والتوبة إلى الله والثقة به، لأن اليهود يؤمنون بأن رحمة الله وخلاصه يظهران في أصعب الظروف'.

بدوره، قال الخوري الدكتور ميلاد عبود، عميد شؤون الطلاب في جامعة الحكمة والمتخصص في ​اللاهوت الأخلاقي​ والعقائدي، إن '​الرجاء المسيحي​ ليس يوتوبيا، فهو الترقب الفرح مع أن حصول الكارثة غير مستبعد، وهو فضيلة نرغب بواسطتها في ملكوت الله والحياة الأبدية، واضعين ثقتنا بمواعيد المسيح مستندين لا إلى قوتنا بل إلى الروح القدس'. وأضاف: 'أن نعيش الرجاء يعني أن نجسده في أعمالنا فنساهم في بناء ملكوت الله، ملكوت الحب والعدالة، ونتصدى لكل من يحتقر كرامة الإنسان'. وأكد أن 'قيامة المسيح تنقلنا من الحزن إلى الفرح ومن اليأس إلى الرجاء، لأن الذي قام من الموت هو الذي حكم عليه ظلمًا، فالقيامة هي رجاء وتصديق لقوة الله القاهرة للموت والظلم'.

واتفقت آراء المشاركين على أن الرجاء ليس حكرًا على دين بعينه، بل هو عطية إلهية لكل إنسان، ويشكل قاعدة كبرى للتلاقي على أسس التسامح والرحمة. وأجمعوا على أن التجليات الإيمانية تنطلق من زوايا متقاربة، لكن الأهم هو توظيفها في إيجاد حلول للأزمات الراهنة.

وفي ختام الندوة، قدّم نائب رئيس جامعة الحكمة للشؤون الإدارية إيلي أبي عاد دروعًا تكريمية للمحاضرين تقديرًا لمشاركتهم.

حضر الندوة ممثل راعي أبرشية بيروت للموارنة ووليّ جامعة الحكمة الخوري الدكتور ميلاد عبود، وممثل رئيس الجامعة نائبه للشؤون الأكاديمية الدكتور ريان هيكل، والنائب البطريركي المطران أنطوان عوكر، وأمين سر اللجنة الأسقفية للتعليم العالي والجامعي في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك الخوري جان بول أبو غزالة، إلى جانب عدد من الكهنة والراهبات والعمداء والأساتذة والإداريين والطلاب.