يوسف حمود - الخليج أونلاين

يمثل المنتدى امتداداً لمسار التعاون الاستراتيجي المتنامي بين القاهرة والعواصم الخليجية

في لحظة تشهد فيها المنطقة تحولات اقتصادية متسارعة تستضيف العاصمة المصرية القاهرة، يومي 10 و11 نوفمبر الجاري، فعاليات 'منتدى التجارة والاستثمار المصري الخليجي'، بمشاركة حكومية ومؤسسات مالية من الجانبين.

ويُعد المنتدى الذي تنظمه وزارة الخارجية المصرية بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي تحت عنوان 'خارطة طريق نحو تعزيز التعاون الاقتصادي'،فرصة استراتيجية لتحويل الشراكة المصرية الخليجية من مستوى التعاون التقليدي إلى مستوى التكامل في قطاعات الطاقة، والتجارة، والصناعة، والأمن الغذائي.

كما يمثل هذا الحدث امتداداً لمسار التعاون الاستراتيجي المتنامي بين القاهرة والعواصم الخليجية، في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتجارة،وينظر إليه كإطار مؤسسي جديد يهدف إلى مواجهة التحديات الاقتصادية الإقليمية.

آفاق جديدة

يحمل المنتدى وفق بيان مجلس التعاون الخليجي (5 نوفمبر) دلالات تتجاوز الطابع البروتوكولي للقاءات الثنائية، إذ يسعى إلى ترسيخ شراكة اقتصادية مؤسسية قائمة على المصالح المشتركة، وجذب مزيد من الاستثمارات الخليجية إلى السوق المصرية، في ظل ما تقدمه القاهرة من حوافز وتسهيلات غير مسبوقة للمستثمرين الخليجيين.

كما تُعقد أعمال المنتدى بحضور رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزير الخارجية بدر عبد العاطي، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، إلى جانب وزراء ومسؤولين رفيعي المستوى ونخبة من رجال الأعمال والمستثمرين.

ويمثل هذا التجمع الاقتصادي امتداداً طبيعياً لمسار الشراكة الاستراتيجية بين مصر ودول الخليج، التي شهدت خلال السنوات الأخيرة نمواً لافتاً في حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة.

فوفقاً لتقديرات الغرفة التجارية المصرية، تجاوزت الاستثمارات الخليجية المباشرة في مصر 40 مليار دولار حتى منتصف 2025، فيما تضاعف حجم التجارة البينية منذ عام 2018 بنسبة تقارب 75%، وهو ما يعكس متانة الروابط الاقتصادية وارتفاع مستوى الثقة بين الجانبين.

وتغطي جلساته محاور رئيسية هي:

- بحث فتح آفاق جديدة أمام التعاون الصناعي والتجاري بين مصر ودول الخليج، بما يعزز الأمن الاقتصادي المشترك.

- الإصلاحات الاقتصادية في مصر، والفرص الاستثمارية في القطاعات الحيوية، والطاقة المتجددة، والصناعات الدوائية، والتنمية العقارية والسياحية.

- لقاءات مباشرة بين المستثمرين والمسؤولين من الجانبين بصيغتي (B2B) و(B2G).

- معرض موسع للفرص الاستثمارية المصرية بمشاركة هيئة قناة السويس والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الاقتصادية التابعة لها.

تعزيز الاستثمارات الخليجية

وتشكل الاستثمارات الخليجية أحد المحاور الرئيسية للمنتدى، حيث تسعى القاهرة إلى جذب مزيد من رؤوس الأموال الخليجية نحو مشروعاتها التنموية الكبرى، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، والمناطق الصناعية في قناة السويس، ومشروعات الطاقة الخضراء وتحلية المياه.

إذ تعمل الحكومة المصرية على تهيئة بيئة استثمارية جاذبة من خلال حوافز ضريبية وتسهيلات إجرائية، إلى جانب إصدار قانون جديد يتيح للمستثمرين الأجانب تملك الأراضي والمشروعات دون قيود مع ضمان حرية تحويل الأرباح.

وبحسب المهندس مصطفى المكاوي، عضو مجلس إدارة الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، يمثل المنتدى 'منصة هامة للانتقال من مجرد تبادل تجاري إلى تكامل صناعي واستثماري حقيقي، خاصة في القطاعات التي تضمن استدامة النمو والأمن الاقتصادي المشترك'.

وأوضح في تصريحات لصحيفة 'الأهرام' المحلية أن 'المنتدى سيسهم في إطلاق شراكات وتحالفات بين القطاع الخاص المصري والخليجي في مجالات الصناعات الغذائية والطاقة المتجددة والصناعات الدوائية، بما يعزز من قدرات الإنتاج المشترك ويقلل الاعتماد على الواردات'.

كما يرى المكاوي أن 'التوجه الخليجي نحو الاستثمار في مصر لم يعد مقتصراً على القطاعات التقليدية كالعقارات والخدمات، بل بدأ يمتد إلى قطاعات إنتاجية ذات قيمة مضافة عالية'، مشيراً إلى أن 'الصناعات الدوائية والغذائية والزراعة الحديثة أصبحت من أكثر المجالات جذباً للاستثمارات الخليجية في المرحلة المقبلة'.

وتشير بيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية إلى أن السعودية والإمارات وقطر والكويت تمثل نحو 60% من إجمالي الاستثمارات العربية في مصر، مع توقعات بزيادة هذا الرقم خلال العام المقبل نتيجة الحزم الاقتصادية المشتركة قيد التفاوض.

كما تخطط صناديق سيادية خليجية، من بينها صندوق الاستثمارات العامة السعودي وجهاز قطر للاستثمار، لضخ استثمارات جديدة في قطاعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية الرقمية والموانئ.

تحول نوعي

يرى الخبير الاقتصادي سامي الحداد أن 'المنتدى يمثل تحولاً نوعياً في العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول الخليج'، موضحاً في حديثه لـ'الخليج أونلاين'أن التعاون بين الجانبين لم يعد مقتصراً على الدعم المالي أو الاستثمارات التقليدية، بل أصبح يقوم على شراكات إنتاجية تهدف إلى تحقيق الأمن الاقتصادي المشترك.

- التركيز على الصناعات الحيوية والطاقة المتجددة والأمن الغذائي يعكس وعياً استراتيجياً بضرورة بناء قاعدة اقتصادية عربية متكاملة في مواجهة التحديات العالمية.

- المنتدى يأتي في توقيت حساس يشهد فيه الاقتصاد المصري مرحلة إعادة هيكلة واسعة، تتطلب ضخ استثمارات نوعية طويلة الأمد من الشركاء الخليجيين.

- الحدث فرصة لإعادة توزيع الاستثمارات الخليجية باتجاه القطاعات المنتجة بدلاً من التركيز على العقارات والخدمات.

- هذا التحول ينسجم مع خطط الخليج لتنويع مصادر الدخل خارج النفط، عبر الدخول في قطاعات التصنيع والزراعة والتكنولوجيا.

- نجاح المنتدى سيتوقف على مدى قدرة الطرفين على تحويل التفاهمات إلى اتفاقيات ملزمة ومشروعات ملموسة، خصوصاً في مجالات البنية التحتية والطاقة الخضراء والموانئ.

- السوق المصرية، بما تمتلكه من موقع جغرافي وسوق استهلاكية ضخمة وقوى عاملة مؤهلة، تمثل بوابة مثالية لدخول رؤوس الأموال الخليجية إلى أفريقيا وأوروبا.

- القاهرة تمثل اليوم شريكاً اقتصادياً لا يمكن تجاوزه في معادلة الأمن الاقتصادي العربي، بينما تمثل العواصم الخليجية رافعة مالية واستثمارية قادرة على تمويل التحول الصناعي في مصر والمنطقة.

- المنتدى لا يقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية، بل يرسخ مفهوماً جديداً للتكامل الاقتصادي الإقليمي.

- المخرجات المنتظرة من المنتدى يمكن أن تشكل نواة لتحالف اقتصادي عربي فاعل، خاصة إذا ما أسست آلية دائمة لمتابعة الاتفاقيات الموقعة وتفعيل المشاريع المشتركة.

- التقارب المصري الخليجي لم يعد خياراً سياسياً بل ضرورة اقتصادية لبناء منظومة أمن اقتصادي عربي قادرة على الصمود في مواجهة الأزمات الدولية المقبلة.