اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥
كتب أندريه مهاوج في 'نداء الوطن':
أثار إقرار الحكومة اللبنانية، قبل أيام، مشروع قانون يُعرف بقانون 'الفجوة المالية' والمتعلق بمعالجة الانهيار النقدي والمصرفي، اهتمامًا واسعًا في الصحافة الفرنسية، التي تناولته بوصفه محطة مفصلية في مسار الخروج من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخ لبنان الحديث. كذلك حظي هذا المشروع بترحيب سياسي لافت، سواء عبر التصريحات الرسمية لوزارة الخارجية أو من خلال مواقف الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان-إيف لودريان، مما أعاد طرح السؤال الجوهري: هل يشكل هذا القانون مدخلًا فعليًا لانعقاد مؤتمرات الدعم الدولية للبنان؟
الصحف الفرنسية، وفي مقدّمها 'لوموند' اعتمدت، عبر تقارير وتحليلات، على مصادر دبلوماسية واقتصادية، فاعتبرت أن تصويت الحكومة على هذا النص يشكّل تقدّمًا طال انتظاره بعد سنوات من الشلل السياسي والمالي. فمشروع القانون يهدف إلى تحديد حجم الخسائر المتراكمة منذ عام 2019، وإى وضع إطار قانوني لتوزيعها بين الدولة اللبنانية، ومصرف لبنان والمصارف التجارية والمودعين.
بحسب صحيفة 'لوموند'، صوتت الحكومة اللبنانية يوم 26 كانون الأول 2025 على مشروع قانون في خطوة لصياغة آليات إعادة جزء من الودائع التي بقيت مجمدة منذ انهيار النظام المالي قبل ست سنوات.
من وجهة نظر إيجابية، ترى الصحافة الفرنسية أن هذا المشروع يشكّل شرطًا أساسيًا لإطلاق أي مسار جدي للتعافي الاقتصادي. فغياب الاعتراف الرسمي بالخسائر كان، بحسب المحللين الاقتصاديين في 'لوموند' ووكالة الصحافة الفرنسية، العقبة الكبرى أمام أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو أمام استعادة الثقة الدولية بالنظام المالي اللبناني.
ينظر المجتمع الدولي إلى هذا المشروع على أنه اعتراف رسمي بحجم الخسائر وباستحالة الاستمرار في سياسة الإنكار التي طبعت السنوات الماضية. كما يُفهم منه أنه محاولة لإرساء أسس جديدة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمصارف والمودعين، في سياق يتقاطع مع الشروط التقنية التي يضعها صندوق النقد الدولي لأي اتفاق مستقبلي مع لبنان. من هذا المنطلق تنظر باريس إلى هذا القانون على أنه يسهل إعادة إدخال لبنان، ولو بحذر، إلى دائرة الاهتمام الدولي للإعداد عمليًا لمرحلة تقديم الدعم المالي والاقتصادي، بعدما كاد المستثمرون العرب والدوليون يفقدون الأمل من قدرة السلطات اللبنانية وعزمها على إجراء الإصلاحات السياسية والمالية والقضائية المنتظرة.
لكن هذا الترحيب لا يخلو من تحفظات جدّية. فقد شددت وزارة الخارجية الفرنسية، في أكثر من موقف رسمي، على أن إقرار هذا القانون لا يمكن أن يُفهم على أنه حلّ متكامل للأزمة، بل هو خطوة أولى ضمن مسار إصلاحي أوسع لا يزال غير مكتمل. وتؤكد باريس، كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، أن قانون توزيع الخسائر لا يمكن فصله عن حزمة تشريعات وإصلاحات أخرى أساسية، وفي مقدّمها قانون ضبط التحويلات المالية (الكابيتال كونترول)، وإصلاح المالية العامة، وتعزيز استقلال القضاء ومكافحة الفساد، وهي عناصر تُعدّ شرطًا بنيويًا لأي تعافٍ مستدام.
من جهة أخرى، تعكس صحيفة 'لوموند' قلقًا متزايدًا من أن تتحوّل آليات توزيع الخسائر إلى عبء غير متوازن يقع في نهاية المطاف على عاتق المودعين. وتشير الصحيفة إلى أن غموض آليات التعويض، وعدم وضوح السقوف الزمنية والمالية لاستعادة الودائع، يفتح الباب أمام ما يصفه اقتصاديون بـ 'هيركات مقنع'، أو استنزاف تدريجي للودائع، خصوصًا في ظل ضعف الضمانات القانونية وقدرة الدولة المحدودة على الالتزام بتعهداتها.
ويضاف إلى ذلك عنصر أساسي يتمثل في أزمة الثقة بالتنفيذ. فبحسب تحليلات نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية، تجعل التجربة اللبنانية مع القوانين الإصلاحية السابقة، والتي غالبًا ما بقيت حبراً على ورق أو طُبّقت بشكل انتقائي، الجهات الدولية المانحة متحفظة إزاء الرهان على هذا القانون وحده. ويُعدّ التطبيق العادل والشفاف، بالنسبة لفرنسا وشركائها الأوروبيين، معيارًا حاسمًا لا يقل أهمية عن مضمون النص القانوني نفسه.
أما على صعيد المحاسبة، فتلفت التعليقات الصحافية ومصادر دبلوماسية فرنسية إلى أن مشروع القانون، على أهميته التقنية، لا يترافق مع تحديد واضح للمسؤوليات السياسية والمالية عن الانهيار الذي أصاب النظام المصرفي والمالي. هذا الغياب للمساءلة يطرح إشكاليات تتعلق بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية، ويحدّ من قدرة القانون على استعادة الثقة الداخلية والخارجية في آن واحد.
خلال زيارته باريس في تموز الماضي، قال رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام للصحافيين في لقاء في مقر السفارة في باريس إنه استمع إلى تشديد متكرر من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة معالجة الفجوة المالية وإصدار التشريعات المطلوبة وأصر ماكرون على أولوية هذا البند الإصلاحي في تسهيل انعقاد مؤتمرات الدعم للبنان وتعهد حينها رئيس الحكومة اللبنانية بإنجاز هذا القانون في وقت قريب. وفق المقاربة الفرنسية المعلنة، والتي عبّر عنها كل من وزارة الخارجية الفرنسية والموفد الرئاسي جان-إيف لودريان، فإن مشروع القانون يشكّل شرطًا أساسيًا لكنه غير كافٍ لفتح باب الدعم الدولي. فقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن لودريان تأكيده أن إقرار هذا النص يبعث 'إشارة سياسية إيجابية' إلى المجتمع الدولي، لكنه لا يمكن أن يشكّل وحده الأساس لانعقاد مؤتمر دعم شامل للبنان أو الإفراج عن مساعدات مالية واسعة.
وتربط فرنسا، بحسب ما ورد في بيانات رسمية لوزارة الخارجية، أي تحرّك دولي واسع أو مؤتمر دعم جديد للبنان بمدى التزام السلطات اللبنانية بسلة إصلاحات متكاملة، تشمل انتظام عمل المؤسسات الدستورية، واستعادة الحد الأدنى من الاستقرار السياسي، وتحسين الحوكمة، واحترام مبدأ الشفافية والمساءلة. وتؤكد باريس أن الدعم الدولي لن يكون تلقائيًا ولا غير مشروط، بل مرتبطًا بإثبات الجدية والاستمرارية في الإصلاح.
يمكن القول إن مشروع القانون اللبناني الجديد يمثل، وفق توصيف فرنسي ودولي متقاطع، بداية ضرورية لكنها غير مكتملة. فهو أعاد إدراج لبنان على جدول الاهتمام الدولي، ولا سيما الفرنسي، ولاقى ترحيبًا حذرًا في العواصم الغربية، إلا أنه في الوقت نفسه يواجه انتقادات داخلية وخارجية مشروعة تتعلق بمضمونه، وبالسياق الإصلاحي العام الذي يُفترض أن يندرج ضمنه.
وبحسب ما خلصت إليه التحليلات والمواقف المعلنة، فإن الرهان الحقيقي لا يكمن في إقرار القانون بحد ذاته، بل في ما إذا كانت السلطة اللبنانية مستعدة لاستكمال المسار الإصلاحي وعدم الاكتفاء بخطوة رمزية. عندها فقط، يمكن لمؤتمرات الدعم الدولية أن تنتقل من مستوى النيات السياسية إلى مرحلة الانعقاد الفعلي وترجمة الوعود إلى دعم ملموس.











































































