كتب عمر البردان في' اللواء':

استقطبت بيروت حركة دبلوماسية عربية وأميركية لافتة، في التوقيت والمضمون، في إطار الجهود الخارجية التي تبذل لتجنيب لبنان حرب إسرائيلية جديدة، بذريعة أن 'حزب الله' وفق الرواية الإسرائيلية، يعمل على استعادة قدراته القتالية جنوب وشمال نهر الليطاني، وآخرها حصوله على كميات كبيرة من الصواريخ الدقيقة المتوسطة، وما يشكله ذلك من تهديد للمستوطنات الإسرائيلية، توازياً مع ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية التي يواكبها تصعيد ميداني متدرج . وقد كان البارز على هذا الصعيد المحادثات التي أجرتها في بيروت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس مع كبار المسؤولين اللبنانيين، في وقت جال مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد على القيادة السياسية، للبحث في سبل دعم لبنان، في ظل ما يواجهه من تهديدات إسرائيلية مستمرة . وكان سبق لقاءات اللواء رشاد في بيروت، وصول الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، على أن يكون المسؤول عن الملف اللبناني في دوائر القرار السعودي الأمير يزيد بن فرحان، قد حط رحاله في العاصمة اللبنانية مساء اليوم، في إطار الجهود المبذولة لتأمين مظلة أمان للبنان، في ظل تزايد المخاوف من عدوان إسرائيلي قد لا يكون موعده بعيداً إذا استمر الوضع على ما هو عليه .

ولا شك أن زحمة الوفود الدبلوماسية العربية والدولية إلى لبنان، إنما تعكس برأي الكثيرين القلق الذي ينتاب الخارج من إمكانية أن تعاود إسرائيل حربها على لبنان، تزامناً مع استمرار تصاعد لهجة قادتها التصعيدية ، مع تكثيف الاحتلال لاعتداءاته، اغتيالاً وقصفاً، على نحو أثار المخاوف من أن يكون هذا التدهور المتدرج، نذيراً باتساع رقعة هذه الاعتداءات والدخول في حرب جديدة بين إسرائيل و'حزب الله' . وقد علم من خلال سير المحادثات التي أجراها الوفدان الأميركي والمصري، أن التركيز كان منصباً على إمكانية البدء بمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل، لنزع فتيل التوتر القائم،وتجنباً لخروج الوضع عن السيطرة، باعتبار أن الواقع الحالي على الحدود اللبنانية الإسرائيلية لا يطمئن، وهو ما يفرض على لبنان أخذ الحيطة والحذر، واتخاذ ما يلزم لتحصين جبهته الداخلية . وفي حين لم يحصل الوفدان الأميركي والمصري على جواب لبناني واضح من موضوع التفاوض، بانتظار مزيد من المشاورات، لاتخاذ الموقف النهائي، فقد علم أن الموفدة الأميركية عبرت عن قلقها حيال التقارير التي تفيد باستمرار حصول 'حزب الله' على الأسلحة، وهذا ليس في مصلحة لبنان، وفقاً لما تم تسريبه من لقاءاتها مع المسؤولين.

وإذا كان هناك تحفظ من جانب القيادات اللبنانية عن الإفصاح عن فحوى اللقاءات التي عقدها مدير المخابرات المصرية في بيروت، إلا أنه ووفقاً لما تم كشف النقاب عنه بخصوص هذه اللقاءات، فإن المسؤول الأمني المصري، إنما جاء ليدعو الجانب اللبناني إلى الحذر من النوايا الإسرائيلية، وإلى أن يحاول لبنان القيام بكل ما يلزم من أجل حماية نفسه من مخاطر أي عدوان إسرائيلي جديد . وفي الوقت نفسه فإن الضيف المصري الذي لم يأت ليبلغ اللبنانيين رسائل تهديد إسرائيلية، عبر بوضوح عن قلقه من مسار التطورات في حال بقي الوضع على حاله، عارضاً استناداً ما تسرب من فحوى لقاءاته، إمكانية أن تتوسط بلاده بين لبنان وإسرائيل، في إطار الجهود لحل الملفات الخلافية بين البلدين، استناداً إلى التجربة المصرية في المفاوضات بين حركة 'حماس' وإسرائيل . في ظل ترحيب لبناني بالجهود التي تقوم بها القاهرة لمساعدة لبنان على الخروج من أزماته .

وإذا كان اللبنانيون يؤكدون استعدادهم للدخول في مفاوضات مع إسرائيل وفق ما نص عليه القرار 1701، فإن المصريين يحاولون أن يجنبوا لبنان ويلات جديدة، إذا ما حاولت إسرائيل شن حرب جديدة . ولذلك تقدمت القاهرة باقتراح لعب دور الوسيط بين لبنان وإسرائيل في المرحلة المقبلة، في إطار تقريب وجهات النظر، وسعياً لتجنيب لبنان الدخول في دورة عنف جديدة مع إسرائيل، في وقت بدا واضحاً أن كل ما يجري في المنطقة، يوحي بأن الجميع ذاهب باتجاه خيار التفاوض . سيما وأن أحداً لم يعد بمقدوره الوقوف في مواجهة القرار الخارجي بإحلال السلام في الإقليم، على ما تقوم به الإدارة الأميركية . وعليه فإنه يصعب على لبنان أن يغرد خارج هذا السرب، إذا كان حريصاً على الاستفادة من مرحلة ما بعد السلام، والتي ستطال دول المنطقة برمتها . وعلى هذا الأساس يحاول المجتمع الدولي أن يمهد الطريق لنزع فتائل التفجير بين لبنان وإسرائيل، تمهيداً للدخول في مفاوضات لحل المسائل العالقة .