اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة البلاد
نشر بتاريخ: ٢٩ أيلول ٢٠٢٥
قبل ثلاثة عقود جاءني أحد الزملاء يطلب المشورة في كيفية التعامل مع مديره، الذي كان يعرقل ترقيته إلى منصب أعلى بحجج واهية؛ إذ لم يكن راضياً عنه شخصياً. نصحته آنذاك بأن يبحث عن فرصة لترقية المدير نفسه في قسم آخر، حتى يفسح له المجال في غيابه. وبعد شهر اتصل بي ليشكرني لأن الفكرة نجحت بالفعل . تلك القصة تعكس كيف كان الصراع مع الرؤساء جزءاً من الحياة المهنية، وكيف أن الحلول كانت غالباً تقوم على الدهاء البشري والتكتيك الشخصي. لكن اليوم تغير المشهد كلياً؛ فالنقاش لم يعد حول كيفية التعامل مع الرؤساء البشر، وإنما حول جدوى وجودهم أصلاً؛ إذ تتجه بعض الشركات إلى فكرة الاستعاضة عنهم بمديرين آليين؛ يعتمدون على الذكاء الاصطناعي. هذه الثورة الرقمية لم تأتِ من فراغ؛ فالمؤسسات تبحث دائماً عن تقليص النفقات ورفع الكفاءة وتجنب التحيزات، وهي سمات يمكن للمدير الآلي أن يتقنها ويوفرها بدرجة أعلى من البشر. فهو لا يتأثر بالأهواء أو العلاقات الشخصية، ويستطيع اتخاذ قراراته بناءً على البيانات والأرقام لا العواطف والانطباعات. المؤيدون لهذه الفكرة يرون أنها تحقق عدداً من المزايا ؛منها انخفاض التكاليف على المدى الطويل، وسرعة الاستجابة على مدار الساعة، والقدرة على متابعة مئات الموظفين في وقت واحد دون إرهاق أو ملل . كما أن قراراته تتميز بالاتساق والشفافية؛ فلا مكان فيها للمحاباة أو المزاجية. غير أن هذه الصورة الوردية تصطدم بواقع آخر لا يمكن إنكاره؛ إذ يفتقر المدير الآلي إلى المشاعر والقدرة على التعاطف، ولا يستطيع احتواء الأزمات الإنسانية أو تفهم ظروف الموظف الشخصية. كما أن الاعتماد المفرط على البيانات قد يؤدي إلى أحكام قاسية تغفل السياق، وهو ما يهدد الروح المعنوية ويجعل بيئة العمل أكثر جفافاً. من هنا يبرز اتجاه أكثر واقعية، يرى أن المستقبل لن يكون باستبدال المدير البشري كلياً، وإنما بدمج الذكاء الاصطناعي في إدارة المؤسسات؛ بحيث يتولى الروبوت المهام الروتينية من مراقبة الأداء وإعداد التقارير، فيما يحتفظ الإنسان بدور القيادة الملهمة، وحل النزاعات ورعاية الإبداع . بهذا الشكل يمكن الجمع بين دقة الآلة ودفء الإنسان. بين الحسابات الصارمة واللمسة الإنسانية التي لا غنى عنها. إن النقاش حول المديرين الآليين لا يقتصر على سؤال: من الأصلح للإدارة؟ بل يتجاوز ذلك إلى إعادة تعريف القيادة نفسها في زمن يتسارع فيه نفوذ التكنولوجيا. قد يأتي يوم يصبح فيه المدير نصف إنسان ونصف آلة 'مديرًا هجينًا'، وحينها سيتعين علينا أن نعيد التفكير في معنى السلطة والعدالة والولاء داخل مؤسساتنا.