بعد تسعة أيام فقط، تنطلق الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، في ظل أجواء تتفاوت بين الحماسة والفتور، والاستعداد الكامل والغموض التنظيمي، بحسب المناطق والجهات المعنية. هذا الاستحقاق الذي يُفترض أن يُجدّد المجالس المحلية المسؤولة عن إدارة الشأن الإنمائي والخدماتي للمواطنين، يعود إلى الواجهة وسط ظروف اقتصادية صعبة ونقاشات سياسية وقانونية مستمرة بشأن آليات إجرائه، خصوصاً في العاصمة بيروت.

استعدادات وزارة الداخلية: تنظيم إداري في مواجهة الضغوط

في هذا السياق، قام وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار بجولة تفقدية لغرفة المراجعات وتلقي الشكاوى في الوزارة، حيث اطّلع على سير العمل مثنيًا على جهود الفريق الإداري والأمني في متابعة استفسارات المواطنين ونقل الشكاوى إلى الجهات المختصة. كما أصدر توجيهاته بضرورة تكثيف الجهود الإدارية والفنية لإنجاح العملية الانتخابية في مواعيدها المحددة، في ظل تحديات تنظيمية ومالية تواجهها الوزارة.

تزكيات في جبل لبنان: توافقات محلية تنهي السباق مبكرًا

وقد حُسمت الانتخابات في عدد من البلدات في قضاء عاليه ضمن محافظة جبل لبنان بالتزكية، وهو ما أعلنه النائب راجي السعد في تغريدة له عبر منصة “إكس”، مشيرًا إلى أنّ 36 بلدة في جبل لبنان، من بينها بحمدون، كفرعمي، بطلّون، عين الرمانة، عين السيدة، سرحمول، بخشتيه والقماطية، شهدت توافقات محلية أنهت الاستحقاق من دون انتخابات.

ورأى السعد في هذا التطور فرصة لتعزيز العمل الإنمائي، داعيًا المجالس الفائزة إلى التركيز على المشاريع والخدمات التي تلبّي حاجات المواطنين، مؤكداً دعم النواب لهذه المجالس في مهامها المقبلة.

بيروت: نقاش مفتوح حول قانون الانتخابات وصلاحيات المجالس

في المقابل، لا تزال الصورة في بيروت غير واضحة، في ظل جدل قائم حول قانون الانتخابات البلدية المعتمد والصلاحيات الممنوحة للمجلس البلدي. وقد عيّر النائب وضاح الصادق في أكثر من تصريح إعلامي عن تحفظه على إجراء الانتخابات في العاصمة وفق القانون الحالي، معتبرًا أنّ المجلس البلدي في بيروت لا يملك صلاحيات تنفيذية فعلية، إذ تبقى الكلمة الأساسية للمحافظ، خلافًا لما هو معمول به في باقي المناطق.

وأشار إلى أنّ هذا الواقع يطرح إشكالية دستورية تتعلق بالمساواة بين المواطنين، متحدثًا عن نيّته المطالبة بتأجيل الانتخابات البلدية في بيروت إذا لم يتم تعديل القانون أو اعتماد منطق المناصفة في تشكيل اللوائح، أسوة بباقي المؤسسات المنتخبة.

كما أوضح الصادق أن العاصمة “مهملة” على حد وصفه، ودعا إلى ضرورة طمأنة الناخبين عبر لوائح تضم جميع المكونات، معلنًا مشاركته في انتخابات المخاتير ودعمه للائحة مكتملة تحقّق التوازن.

دعوات إلى تحديث القانون: مقاربة مختلفة من الحواط

من جهته، قدّم النائب زياد الحواط، عضو تكتل “الجمهورية القوية”، مقاربة مختلفة للملف البلدي، معتبرًا أن الوقت قد حان لتحديث قانون البلديات وتوسيع صلاحيات المجالس المحلية. وفي حديث له عبر قناة MTV، شدد الحواط على أهمية تشكيل لوائح متجانسة تعمل كفريق واحد، معلنًا رفضه للائتلافات التقليدية التي لا تعكس روح العمل البلدي.

وأكد أنّ لبنان بحاجة إلى إصلاحات على مستوى الإدارة المحلية، داعيًا السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى تحمّل مسؤولياتهما وتطبيق اللامركزية الإدارية، بما يحقق إنماءً أكثر توازنًا بين المناطق.

بين التحضير والجدل: صورة غير موحّدة للمشهد البلدي

في ضوء هذه المواقف، يتّضح أنّ المشهد الانتخابي البلدي ليس موحدًا في كل لبنان، بل تتفاوت الديناميكيات بين التوافقات المحلية في بعض المناطق، والتحضيرات الجارية لمعركة انتخابية في مناطق أخرى، مقابل بروز مطالب بإرجاء الانتخابات أو تعديل القوانين في مناطق محددة، وعلى رأسها بيروت.

هذا التباين يعكس الواقع الإداري والسياسي في البلاد، حيث لا يزال قانون البلديات محطّ جدل، ويُنظر إليه من قبل عدد من المعنيين على أنه يحتاج إلى تحديث يتلاءم مع متطلبات المرحلة وتطلعات المواطنين.

الاستحقاق البلدي في مرحلة دقيقة

الانتخابات البلدية في لبنان، المزمع انطلاقها خلال أيام، تأتي في مرحلة دقيقة سياسيًا واقتصاديًا، وتشكل اختبارًا لقدرة الدولة على تنظيم الاستحقاقات الديمقراطية في مواعيدها، ولجاهزية البلديات للقيام بمهامها في ظل أوضاع مالية وخدماتية صعبة.

وبين من يطالب بالتأجيل والتعديل، ومن يفضّل خوض المعركة ضمن القوانين الحالية، تبقى العبرة في النتيجة: مجالس بلدية قادرة على إدارة الشأن المحلي بكفاءة وشفافية، في انتظار إصلاحات أعمق في بنية الحكم المحلي.