اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٨ تموز ٢٠٢٥
على الرغم من تصاعد المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة وتدهور الأوضاع الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة، لا يزال الاتحاد الأوروبي عاجزًا عن اتخاذ موقف فعلي لوقف العدوان أو محاسبة الاحتلال، في وقتٍ تحذّر منظمات حقوقية من أن هذا الصمت الأوروبي يرقى إلى مستوى التواطؤ ويغذي استمرار جريمة الإبادة الجماعية.
ويأتي هذا الجمود الأوروبي وسط انقسام داخلي بين دول تتبنى مواقف أخلاقية متقدمة، وأخرى كبرى ما تزال تُقدّم دعمًا سياسيًا وعسكريًا مطلقًا ل(إسرائيل)، وفق ما أكده وزير الخارجية التونسي الأسبق الدكتور رفيق عبد السلام، الذي اعتبر أن 'الاعتبارات الاستراتيجية طغت على القيم والالتزامات القانونية لدى العواصم الكبرى'.
وخلال اجتماعه في بروكس، مؤخرًا، فضل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إرجاء اتخاذ قرار تجاه (إسرائيل) حتى من دون أن يناقشوا التدابير التي اقترحتها المفوضية، وفق أحد الدبلوماسيين.
عجز سياسي وتواطؤ ميداني
واتهم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الاتحاد الأوروبي بأنه يكرّس الاحتلال الإسرائيلي ويمكّن جرائم الإبادة، من خلال امتناعه عن اتخاذ أي خطوات عملية، واكتفائه بمراقبة إدخال المساعدات 'عن كثب'، في وقت تُباد فيه العائلات الفلسطينية وتُحرم من أساسيات البقاء.
وشدد المرصد في تقرير له، على أن الإصرار الأوروبي المتكرر على الحديث عن 'تسهيل دخول المساعدات' محاولة مكشوفة لتبييض وجه الاحتلال أمام الرأي العام في ظل غياب أي خطوات عملية وموثوقة حتى الآن لفتح المعابر بشكل كامل أو لضمان تدفّق كافٍ وآمن للمساعدات.
ولفت إلى أن الترويج الأوروبي لإدخال المساعدات يرتقي إلى شراكة فعلية في هندسة التجويع ويشكّل الوجه الآخر للدور الدموي الذي تؤديه منظمة 'غزة الإنسانية'، مشدداً على أن تقليص الرعب الذي يعيشه سكان غزة إلى أزمة إنسانية عابرة واختزاله في ملف لوجستي يُقاس بعدد الشاحنات يُعرّي زيف الخطاب الأوروبي بشأن القيم وحقوق الإنسان.
العواصم الكبرى تُغلب مصالحها
من جهته، أكد عبد السلام، أن موقف الاتحاد الأوروبي من العدوان على قطاع غزة يكشف عن انقسام داخلي واضح بين كتلتين رئيسيتين، أولاهما تمثل 'الدول الكبرى' التي ما زالت تدعم الاحتلال الإسرائيلي سياسيًا وعسكريًا، رغم بعض التحفظات الإنسانية الشكلية، فيما تنتمي الكتلة الثانية إلى دول تتبنى موقفًا أخلاقيًا متقدمًا نسبيًا، لكنها لا تملك وزنًا حاسمًا داخل الاتحاد.
وأوضح عبد السلام لصحيفة 'فلسطين'، أن الدول الأوروبية الكبرى، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، تمثل مركز الثقل الحقيقي في الاتحاد، وقد كانت ولا تزال داعمة ل(إسرائيل)، حتى مع وجود مساحة خلاف إنساني ضيقة تتعلق بتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة. لكن من حيث الاستراتيجية العامة، فإن موقف هذه الدول لا يختلف كثيرًا عن الموقف الأمريكي، بل يشكل امتدادًا له، ويقوم على الدعم المطلق لدولة الاحتلال.
وقال إن هذه العواصم 'تضخ ل(إسرائيل) كل أنواع الأسلحة والذخائر، ولم يتوقف هذا الدعم لحظة واحدة، رغم ما يُقال عن تحفظات أو ملاحظات إنسانية'، مشيرًا إلى أن هذا 'العتب الأوروبي المحدود لا يعكس تحوّلًا حقيقيًا في الموقف، بل محاولة للتخفيف من الضغوط الداخلية أو استرضاء الرأي العام العربي'.
في المقابل، أشار الوزير التونسي الأسبق إلى أن هناك دولًا أوروبية، مثل إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا، بالإضافة إلى عدد من الدول الإسكندنافية، تتخذ مواقف أكثر أخلاقية وإنسانية، وتُظهر دعمًا نسبيًا أكبر للفلسطينيين، لكنها 'لا تمثل ثقلاً حقيقيًا داخل الاتحاد'، وبالتالي فإن تأثيرها على صنع القرار الأوروبي محدود.
صمت عن العقوبات رغم الفظائع
وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد امتنعوا عن مناقشة مقترحات بفرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها تعكس غياب الإرادة السياسية وتماهيًا مع الوعود الإسرائيلية بتحسين تدفق المساعدات، رغم انعدام أي التزام حقيقي بذلك على الأرض.
ويؤكد عبد السلام أن هذا الموقف يؤكد أن الاتجاه الغالب داخل الاتحاد الأوروبي ما زال منحازًا إلى (إسرائيل)، ويرجح كفة الاعتبارات الاستراتيجية على كل ما هو إنساني أو أخلاقي.
وأوضح أن '(إسرائيل) في الأصل هي مشروع أوروبي، قبل أن تكون مشروعًا أمريكيًا. فبريطانيا كانت الراعي الأول، وهي من قدم وعد بلفور، أما العواصم الأوروبية الكبرى فكانت ولا تزال منسجمة مع هذا التوجه، وتدافع عن (إسرائيل)، وترفض فرض أي عقوبات أو حتى توجيه انتقادات جدية لها'.
وأشار إلى أن 'بعض التصريحات الأوروبية التي تتحدث عن القلق أو تطالب بتحسين دخول المساعدات لا تعبر عن تغير حقيقي في المواقف، بل هي استجابة لضغط الرأي العام الأوروبي، الذي بدأ يكتشف حجم الجرائم التي ترتكبها (إسرائيل) بحق المدنيين الفلسطينيين، ويمارس نوعًا من الضغط على النخب السياسية'.
ومع ذلك، يرى عبد السلام أن القيادات السياسية الأوروبية ما تزال مرتهنة للّوبي الصهيوني الفاعل داخل مؤسسات القرار في أوروبا، معتبرًا أن هذا اللوبي 'يدير المصالح الإسرائيلية بكفاءة داخل العواصم الأوروبية، ويجعل كثيرًا من النخب السياسية خادمة للمصالح الإسرائيلية أكثر من خدمتها لمصالح شعوبها'.
وختم عبد السلام بالقول: 'نحن أمام مفارقة خطيرة تتسع يومًا بعد يوم، حيث تتزايد المسافة بين الرأي العام الأوروبي المتعاطف مع الفلسطينيين، والنخب السياسية التي تزداد انكشافًا في ارتهانها ل(إسرائيل)، فيما تواصل العواصم الأوروبية الكبرى تقديم الدعم الاستراتيجي والسياسي والعسكري والمالي الكامل لدولة الاحتلال'.
ويواجه سكان قطاع غزة الذين يزيد عددهم على مليوني نسمة ظروفا إنسانية كارثية جراء نقص الغذاء والماء والدواء بسبب القيود المشددة التي تفرضها (إسرائيل) وحربها المدمرة في القطاع.