غزة – رغد إيهاب الغصين

بين الركام والسواد الذي يلف الأزقة، يجلس 'عم جمعة' قرب برميل معدني يشتعل باللهب، ليس للتدفئة أو الطهو، بل لإنتاج ما أصبح يُعرف في غزة بـ'السولار الصناعي'. لهبٌ يتراقص أمامه كأنه مرآة لحياته المحترقة تحت الحصار والنار.

جمعة سلمان (63 عامًا)، نجّار سابق، فقد مصدر رزقه بعد أن دمرت الحرب ورشته الصغيرة، ليجد نفسه مضطرًا للعمل في مجال بعيد كل البعد عن مهنته الأصلية: إنتاج السولار من النفايات.

يقول عم جمعة وهو يمسح جبينه المغطى بالسخام: 'كنا نستورد السولار... اليوم بنصنعه بإيدينا من البلاستيك والقمامة وبعض الأقمشة المهترئة. الناس بدها تعيش'.

ويتم إنتاج هذا النوع من الوقود عبر حرق البلاستيك داخل صهاريج معدنية محلية الصنع، تُشعل النيران تحتها لساعات، لينتج بخار يتحول إلى سائل زيتي يُجمَع ويُصفّى ثم يُباع بسعر أقل من السولار المستورد، الذي يرتبط دخوله بالظروف السياسية والأمنية وإغلاق المعابر.

الحاجة تصنع الوقود

رغم خطورته، وجد السولار الصناعي طريقه إلى الأسواق والمركبات. أحد السائقين يقول: 'بتعرف المثل اللي بقول الحاجة أم الاختراع؟ هذا لأهل غزة. السولار الصناعي بيخرب الماتور، بس شو نعمل؟ ما باليد حيلة، لازم نشتغل والناس بدها مواصلة'.

خطر صحي وبيئي داهم

لكن خلف هذا 'الاختراع'، يختبئ تهديد صامت للصحة العامة والبيئة. فعمليات الحرق العشوائية تجري دون أي رقابة رسمية أو التزام بمعايير السلامة.

وحذر الدكتور وائل شبير، اختصاصي الأمراض الصدرية، من أن استنشاق الغازات المنبعثة أثناء التصنيع قد يسبب أمراضًا مزمنة وسرطانات على المدى البعيد، مؤكدًا أن هذه الغازات تحتوي على مركبات سامة مثل الديوكسينات والفورمالديهايد.

واقع مفروض لا خيار فيه

في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر، وإغلاق المعابر المتكرر، يبقى السولار الصناعي خيارًا اضطراريًا يدفعه السكان لتسيير حياتهم، ولو بثمن باهظ.

إنه وقود الفقراء في زمن القهر... خيار البقاء الذي يكشف عمق المأساة، ويطرح سؤالاً مؤلمًا: هل أصبحت الحياة في غزة ممكنة فقط عبر استنشاق الخطر؟