برزت خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في غزة، المكونة من 20 نقطة، كمبادرة مثيرة للجدل ستعيد تشكيل سياسات الشرق الأوسط. فأوساط واشنطن وصفتها بالإطار الطموح الذي لا يقتصر على حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني طويل الأمد فحسب، بل يهدف أيضًا إلى تعزيز التطبيع بين إسرائيل والجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ولبنان وسوريا، وربّما العراق. هذا الاقتراح، الذي طوّرته شخصيات بارزة مثل جاريد كوشنر وستيف ويتكوف وتوني بلير، اعتبرته مصادر دبلوماسية أميركية أنه يرسم صورة لـ غزة جديدة تهدف أولًا إلى تخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين مع معالجة المخاوف الأمنية لإسرائيل في أعقاب هجمات حماس في 7 تشرين الأول 2023.

ومع ذلك، اعتبرت هذه المصادر أن طريق السلام هذا محفوف بالتحديات، مشيرة إلى وجود هوة متنامية من انعدام الثقة بين الأفرقاء كافة تُفاقم جهود المصالحة. وأوضحت المصادر أنه لتحليل اقتراح ترامب بفعالية، يجب أن نأخذ في الاعتبار التفاعل المعقد بين السياسة الإقليمية والروايات التاريخية والحقائق التي تؤثر على الهويتين الإسرائيلية والفلسطينية. ورغم ذلك، فإن الحاجة الملحة إلى حل دبلوماسي لم تكن أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، فتصاعد العنف لا يهدّد إسرائيل والأراضي الفلسطينية فحسب، بل الاستقرار الأوسع في الشرق الأوسط أيضًا.

ويشكّك بعض الدبلوماسيين المخضرمين في العاصمة الأميركية في إتمام التوصّل إلى غزة الجديدة، معتبرين أنهم تعلّموا من تجارب الجانبين والمفاوضات الفاشلة والعداوات المستمرّة. وأشار هؤلاء إلى أن على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يوازن بين استرضاء الفصائل القومية المتشدّدة داخل حكومته والاستجابة للدعوات الدولية لضبط النفس، وهو أمرٌ عالي المخاطر. وبالمثل، يجدر بالقيادة الفلسطينية التغلّب على انقساماتها الداخلية وإعادة إنتاج كوادر لها مقبولة دوليًا لتتمكّن من التحكّم بمطالب الفلسطينيين والتفاوض في شأنهم.

ويشير الخبراء إلى أهمية الرأي العام وتأثيره الكبير على المشهد السياسي من خلال تضخيم الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة الصور والروايات المُتعلّقة بمعاناة المدنيين، لافتين إلى أن ذلك انعكس تعقيدًا للحسابات السياسية الدقيقة أصلاً. فالصدى العاطفي للمأساة الإنسانية التي عقّدت التصورات العالمية للصراع، لعب دورًا واضحًا في رغبة ترامب بإيجاد حل لوقف القتال في غزة وعودة الرهائن الإسرائيليين.

السلام المُقترح

وفي ظلّ هذه الظروف الصعبة، هل يُمكن لإطار السلام المُقترح أن يكون بمثابة شريان حياة حيوي؟ ستيف ويتكوف، المبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط، شدّد على أهمية التسويق لهذه المبادرة على أنها مبادرة سلام ناجحة ووسيلة لتهدئة التوترات الحالية مع تمهيد الطريق لتناغم إقليمي طويل الأمد. وأكد أن خطة ترامب لإنهاء الصراع في غزة تحظى بدعم واسع من دول الخليج، وكذلك من الأوروبّيين. ويتكوف اعتبر أنه لا تزال هناك تفاصيل أخرى يجب العمل عليها، لكنه قال: أعتقد أننا سنصل إلى خط النهاية.

بدوره، رحّب السيناتور ليندسي غراهام بخطة ترامب التي تتضمّن إطلاق سراح جميع الرهائن. لكنه ذهب إلى أبعد من النتائج الآنية للخطة ليحض على تشكيل شرق أوسط جديد يحتضن التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة. غراهام اعتبر أن التطبيع في الشرق الأوسط لن يحدث ما لم يتم إبعاد حزب الله عن طاولة المفاوضات. ودعا الدول المعنية في المنطقة إلى نزع سلاح حزب الله بطريقة أو بأخرى.

من هنا تبرز خطة ترامب للسلام كقوة تحويلية محتملة في ظلّ التطوّرات الجيوسياسية الأخيرة. فبحسب المصادر، النجاحات العسكرية التكتيكية لإسرائيل ضدّ إيران وحزب الله كانت بمثابة تحوّل في الديناميكيات الإقليمية. وهذا المشهد المتغيّر أدّى إلى تقارب بين أميركا من جهة، والدول العربية والسنية من جهة أخرى، متحدّيًا بذلك جدوى التمويل الإيراني لجماعات مثل حماس وحزب الله.

في المقابل، اعتبر نتنياهو أن خطة ترامب أعطته النصر العسكري الكامل والمشاركة الدبلوماسية. وقالت مصادر واشنطن إن بيبي عبّر عن تفاؤل حذر من الخطة. فتنازلات إسرائيل بعدم ضمّ الضفة الغربية أو قطاع غزة، أو تنفيذ أي محاولات اغتيال أخرى في قطر، هي جزء من الحوار المفتوح البعيد عن أي تداعيات على الاستقرار الإقليمي، بينما يعكس الإنذار الذي يُلزم حماس بالتخلّي عن قدراتها العسكرية نمطًا أوسع لإدارة الصراع، متجذرًا في الاستراتيجية العسكرية.

في المحصلة، إحلال السلام في غزة ولاحقًا في الشرق الأوسط من خلال خطة ترامب، قد يشكّل إطارًا لحلّ مُحتمل، أو يكون تحدّيًا لمعرفة ما إذا كان حلفاء أميركا العرب يدعمون خطة التطبيع المحفوفة بالتعقيدات.