اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٣ تموز ٢٠٢٥
لم تتردد السلطات خلال الفترة الأخيرة في التحذير بأن نحو 5 آلاف مبنى مهددة بالسقوط
دفع عدد من النواب في تونس بمشروع قانون يستهدف حل أزمة 'الأحياء العشوائية'، وهي أحياء برزت بعد لجوء مواطنين إلى تشييد مبانٍ على أراضٍ غير صالحة للسكن على غرار الأراضي الزراعية أو من دون الحصول على موافقة السلطات.
ويسكن في هذه الأحياء نحو مليون تونسي، بحسب ما تقول السلطات التي أعلنت في وقت سابق عن خطط لتنظيم هذه 'الأحياء العشوائية'، لكنها لم تحقق نتائج ملموسة بعد وسط مخاوف من تداعيات تنامي ظاهرة البناء الفوضوي في بلد يشهد تعبئة متزايدة نحو العاصمة وضواحيها والمدن المتاخمة لها.
ومع غلاء متصاعد في أسعار العقارات بتونس وتضخم كلفة البناء خلال الأعوام الأخيرة، لجأ عدد كبير من السكان إلى الأحياء الشعبية، مما أدى إلى بروز معضلة البناء الفوضوي التي تعاظمت بصورة كبيرة.
وكانت وزيرة التجهيز والإسكان السابقة سارة الزعفراني الزنزري التي باتت الآن رئيسة الحكومة في تونس قالت إن 'البناء الفوضوي في تونس لم يعُد مقبولاً، خصوصاً في ظل العمل ضمن الاستراتيجية الوطنية للسكن على تحسين المشهد العمراني في البلاد'.
ولم تتردد السلطات خلال الفترة الأخيرة في التحذير بأن نحو 5 آلاف مبنى مهددة بالسقوط، مما ينذر بخطر حقيقي يحدق بالسكان والمارّة وغيرهم، وهي مبانٍ قديمة وكثير منها شُيد بعد أحداث الـ14 من يناير (كانون الثاني) عام 2011 بصورة فوضوية.
وقال النائب في البرلمان حليم بوسمة إن 'اقتراح القانون يعود لتفاقم عدد الأبنية الفوضوية التي أصبحت تمثل 38 في المئة من مجموع البناءات المشيدة سنوياً وفق الإحصاءات الرسمية موزعة على 1400 حي شعبي عشوائي'. وأضاف أن 'هذه الأحياء تضم نحو مليون ساكن ارتأى النواب الذين تقدموا بمشروع القانون، تسوية أوضاعهم لضمان سكن لائق يتمتع بخدمات شبكات التطهير وغيرها من المرافق ودمجهم في الدورة الاقتصادية عبر تمكينهم من الرهن العقاري وإحداث فرص عمل، إضافة إلى تدعيم برنامج الدولة للسكن وتمكين الخزانة من الموارد الجبائية المتعلقة بالعقارات'.
ومن غير الواضح ما إذا كان البرلمان سيشهد إجماعاً يقود إلى إقرار هذا القانون الذي يأتي في وقت تخطط السلطات أيضاً إلى تعديل مجلة التهيئة الترابية والعمرانية التي أقرت عام 1994.
وفي مواجهة تنامي البناء الفوضوي، لجأت السلطات التونسية خلال الأعوام الأخيرة إلى إصدار قرارات بهدم كثير منها، لكن هذه الآلية لم تحل المشكلة بعد.
وأوضح الخبير في التخطيط العمراني شكري المثلوثي أن 'السكن العشوائي في تونس هو كل بناء يشيّد خارج الأطر القانونية، غالباً من دون ترخيص، وعلى أراضٍ غير مهيأة أو حتى غير صالحة للبناء، وهذه الظاهرة منتشرة بصورة خاصة في أطراف المدن الكبرى وضواحيها، حيث الضغط السكاني مرتفع والعرض الرسمي للسكن غير قادر على الاستجابة للطلب المتزايد'.
وشرح المثلوثي أن 'من بين الأسباب التي تدفع إلى تنامي هذه الظاهرة نجد النمو الديموغرافي السريع والهجرة الداخلية من الريف إلى المدن، مما خلق ضغطاً غير مسبوق على الطلب السكني، في حين ظل العرض المنظم عاجزاً عن مواكبته، وارتفاع أسعار العقارات والأراضي بصورة كبيرة، مما جعل السكن المنظم خارج متناول الفئات الضعيفة والمتوسطة، ودفع الآلاف إلى البناء العشوائي باعتباره الخيار الأقل كلفة'. ولفت إلى أن 'هناك معاناة في تونس أيضاً بسبب إجراءات المصادقة على أمثلة التهيئة العمرانية البطيئة والمعقدة، بخاصة الأمثلة التفصيلية، مما يخلق فراغات تنظيمية يُستغل بعضها لتمرير مشاريع بناء من دون ترخيص، وكذلك تعقيد المسارات الإدارية للحصول على رخص البناء، من خلال إجراءات بيروقراطية مرهقة، مما يجعل كثيراً من المواطنين يلجأون إلى تجاوز المسارات الرسمية'.
وقال إن 'هناك قصوراً في البعد الاجتماعي للسياسات السكنية، إذ إن الدولة لا توفر بدائل سكنية ميسرة أو دعماً حقيقياً للفئات الهشة، فكان البناء الفوضوي الملاذ الوحيد الممكن، ونلاحظ ضعفاً في التنسيق بين الجهات المتدخلة، سواء بين السلطات المحلية أو المركزية، إضافة إلى نقص في الرقابة الميدانية، مما فاقم انتشار التجاوزات'. وأشار المثلوثة إلى 'غياب تمويل كافٍ وموجه للسكن الاجتماعي، بحيث لم تُنجز برامج سكنية فاعلة تستجيب لحاجات الطبقات الضعيفة، مما أدى إلى توسع الأحياء غير المهيكلة'.
ولم تعُد البناءات العشوائية حكراً على الطبقات المهمشة في تونس، حيث أعلنت بلديات عدة تسجيل محاضر معاينة لآلاف المخالفات بعضها تعلق برجال أعمال ووزراء وسياسيين وإطارات عليا.
ويعتقد المثلوثي بأن 'الأحياء العشوائية تمثل بالفعل خطراً متعدد الأبعاد، فمن الناحية العمرانية تشوّه المشهد الحضري وتصعّب إدماجها لاحقاً، ومن الناحية البيئية غالباً ما تقام في مناطق معرضة للفيضانات أو الانزلاقات'.
وأبرز أنه 'اجتماعياً، تفتقر هذه الأحياء إلى أبسط الخدمات، مما يعمق الإقصاء والهشاشة، كما تمثل عبئاً اقتصادياً على الدولة التي تضطر لاحقاً إلى تأهيلها بكلف مرتفعة، أما أمنياً، فغياب التأطير قد يجعل منها مناطق توتر أو هشاشة دائمة'.
وفي وقت سابق، حذرت الشرطة البلدية من ارتفاع عدد المحاضر المتعلقة بمخالفات في مجال البناء الفوضوي، إذ سُجلت 19916 مخالفة من بينها 8142 تتعلق بالبناء غير المرخص و1870 بالبناء المخالف للرخصة والمثال الهندسي.
ورأى المثلوثي أن 'مشروع القانون يعد خطوة جريئة باتجاه تسوية الوضعيات العالقة للبناءات التي أنجزت من دون ترخيص، لكن فقط بالنسبة إلى العقارات الخاصة، مع استثناء الأراضي العمومية أو الخطرة أو ذات الصبغة المحجرة، حيث ينص هذا المشروع على ضرورة إثبات الملكية العقارية واحترام الحد الأدنى من المعايير العمرانية، مقابل مساهمة مالية توظف لفائدة الدولة. كما يبسط الإجراءات الإدارية لتقديم مطالب التسوية ويتيح لأصحاب العقارات المسوّاة التمتع لاحقاً بالخدمات الرسمية (ماء وكهرباء وصرف صحي، إلخ)'.
وأردف أنه 'من جهة أخرى، ينص القانون على ردع المخالفات المستقبلية، فيعرّض كل من يتجاوز القانون بعد دخوله حيز النفاذ لعقوبات مالية مشددة تصل إلى ثلاثة أضعاف قيمة العقار، أو إلى قرارات هدم في بعض الحالات، غير أن هذا القانون، على رغم جرأته، يجب ألا يتعارض مع ما ورد في مجلة التهيئة الترابية والتعمير المعمول بها، بل عليه أن يندرج ضمنها ويكملها، من دون المساس بمبادئها الجوهرية في حماية المجال العمراني'.