اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢١ نيسان ٢٠٢٥
البلاد شهدت بعد العام 2011 تجربة في الانتقال الديمقراطي لم تعمّر طويلاً
شهدت تونس بعد عام 2011 تجربة في الانتقال الديمقراطي لم تعمر طويلاً، وانتهت إلى تناقضات سياسية حادة بين أحزاب متنافرة، لم تنجح في رسم فضاء متاح للتعايش المشترك، ولاستيعاب هذه التناقضات والتأسيس لمشروع سياسي وطني متكامل. وعلى رغم كثرة أحزابها ومنظماتها النقابية والمدنية والرياضية والثقافية وهامش الحرية المفتوح على مصراعيه، فشلت النخب السياسية في وضع أنموذج حكم يتماشى وتطلعات التونسيين، وراوحت تلك الحقبة السياسية التي عاشتها البلاد بين الصراعات السياسية والتوافقات التي يصفها عدد من المتابعين بالمغشوشة.
تعدد المبادرات
اليوم، برزت في المشهد السياسي التونسي مطالب توحيد العائلات السياسية المعارضة لخلق توازن مع السلطة الراهنة، في وقت بينت التجربة قصور هذه المبادرات عن تحقيق الهدف المنشود منها. ويعكس فشل هذه المحاولات خللاً بنيوياً في العقل السياسي للأحزاب ومكونات المشهد النقابي والمدني، والذي يتجلى من خلال الصراع على الزعامات ووجود تباين حاد في الأهداف، والبرامج لكل عائلة سياسية.
وفي السياق، دعا 'ائتلاف صمود' وهو مجموعة من جمعيات وأحزاب تونسية القوى الديمقراطية والمدنية في تونس إلى الالتقاء حول القواسم المشتركة، لتوسيع رقعة المشاورات بين الفرقاء السياسيين لإعادة إحياء الساحة السياسية. وقال الائتلاف، في بيان، إن 'الغاية من هذا اللقاء، النضال من أجل تحقيق الأهداف الآنية التي تتفق حولها هذه القوى على غرار تركيز المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء، وهيئة للاتصال السمعي والبصري، وإلغاء المراسيم والقوانين القامعة للحريات'، إضافة لـ'إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين وسجناء الرأي، مع ضمان شروط المحاكمة العادلة'، لافتاً إلى أنه يعي 'الاختلافات الجوهرية السائدة داخل الطيف المدني والديمقراطي، وأن الالتقاء النضالي حول مسائل مبدئية، وقواسم مشتركة، وحده الكفيل بخلق توازن جديد في الساحة السياسية'.
وكان 'الحزب الدستوري الحر' أعلن عن 'خريطة طريق سياسية لتوحيد صفوف الأحزاب المعارضة وصياغة ميثاق وطني مشترك، وهو مشروع سياسي لمنح القوى السياسية أرضية مشتركة لمجابهة ما سماه 'الوضع الحالي'.
وخلال وقت سابق، كشفت المنظمات المدنية التونسية الكبرى، وهي 'الاتحاد العام التونسي للشغل' و'الهيئة الوطنية للمحامين' و'الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان'، عن مبادرة ثلاثية تحت عنوان 'الإنقاذ' تهدف إلى 'إخراج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على أن تُقدم إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد حتى تكون الإصلاحات تشاركية بين المنظمات الوطنية ورئاسة الجمهورية'، وفق عميد المحامين التونسيين حاتم المزيو.
وطرحت 'حركة حق' التونسية التي تضم ثلاثة أحزاب مبادرة وطنية دعت فيها إلى حوار وطني شامل يحقق انفراجاً سياسياً في البلاد، مما يعيد 'بناء الثقة بين مختلف الأطراف ويفتح مساراً جديداً نحو الاستقرار والتنمية'.
الوصول إلى السلطة وتقاسم المكاسب
ووصف الناطق الرسمي باسم 'التيار الشعبي' محسن النابتي هذه المبادرات بأنها 'مجرد حراك سياسي'، معتبراً أن 'هدف هذه القوى الوصول إلى السلطة وتقاسم المكاسب، لأنها مرتبطة بشبكات مالية ومصالح اقتصادية لا تستطيع أن تذهب بعيداً'، مضيفاً أن 'التونسيين قاطعوا النخب السياسية لأنهم حلموا في العام 2010 بالخروج من الحكم الشمولي، إلا أنهم وجدوا أنفسهم في مرحلة تعفن سياسي اتسم بالصراعات والمكابرة من دون التأسيس لمشروع سياسي واقتصادي وطني'، واستبعد النابتي 'نجاح هذه المبادرات في تجميع العائلات السياسية'، مشيراً إلى 'فشلها في أن تتمركز كقوة معارضة قوية قادرة على ضمان التوازن السياسي في البلاد'.
ورأى الناطق الرسمي باسم 'التيار الشعبي' أيضاً أن 'الصورة العامة التي ارتسمت عند التونسيين هي أن النقابات والأحزاب والمنظمات ليست إلا مجالاً للارتزاق السياسي، على رغم وجود أحزاب لم تتورط في ذلك وقاومت الفساد السياسي'، داعياً الأحزاب السياسية في المشهد الراهن إلى 'التأسيس لمشروع سياسي جديد متكامل، ينسي التونسيين الصراعات السياسية التي عاشوها خلال العشرية التي تلت 2011'. واستغرب النابتي 'عدم مراجعة الأحزاب السياسية أداءها، وعدم الاعتذار للتونسيين عن الانقسامات والصراعات السياسية التي أوصلت البلاد إلى حال الانسداد والعزوف عن المشاركة السياسية'.
جبهة وطنية ديمقراطية ممكنة
في المقابل، رأى رئيس 'منتدى ابن رشد للدراسات العربية والأفريقية' كمال بن يونس في تصريح خاص، أن 'تكوين جبهة وطنية ديمقراطية ممكنة لإحياء القواسم المشتركة والقيام ببعض الإصلاحات السياسية التي تطالب بها النخب من دون إقصاء، والاتفاق حول مؤسسات ومبادئ من أجل التنمية والإصلاح'، مشدداً على 'ضرورة قيام الأحزاب والمنظمات والنقابات بنقدها الذاتي والمراجعات المطلوبة'. واستحضر بن يونس التجارب السابقة في مرحلة ما بعد 2011 'عندما نجحت المبادرات السياسية، وكان هناك تجاوب بين المجتمع المدني والطبقة السياسية مع السلطة لخلق مناخ للحوار والتشاور، بينما اليوم لم يعد التفاعل متاحاً بين المنظمات والأحزاب بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل، نتيجة أخطاء موروثة عدة عن مرحلة الصراعات الأيديولوجية بين قوميين وعلمانيين وإسلاميين وليبراليين'، وعاب رئيس 'منتدى ابن رشد للدراسات العربية والأفريقية' 'بقاء عدد من القيادات على رأس أحزابها عقوداً متتالية، فضلاً عن فشلها في تحقيق الأهداف التي رسمتها، مما أفقدها وجاهتها'، داعياً القيادات السياسية إلى 'الانفتاح على الشباب، وجرد أخطائها قبل الحديث عن مشروع سياسي متكامل'.
الجسم المدني والسياسي معتل
من جهة أخرى، لفت الكاتب الصحافي والمحلل السياسي خالد كرونة في تصريح خاص إلى أن 'أعطاب القوى المدنية في تونس لا تنفصل عن القوى السياسية، لأن أبرز قادة المنظمات المدنية لهم خلفيات فكرية وسياسية مما يجعل الجسم المدني بمكونيه السياسي والمدني معتلاً'، مضيفاً 'المشهد الراهن في تونس يتسم بالضبابية لأن النخب في حال من التيه أمام التحولات الدولية الكبرى وتداعياتها الإقليمية، بينما لا تقدم السلطة رسائل تفتح المجال أمام تهدئة سياسية، من خلال خطوات واضحة، كتركيز محكمة دستورية، وهيئة انتخابية جديدة، ومجلس أعلى للقضاء'، وشدد على أن 'الرؤية المشتركة بين مكونات المشهد السياسي والمدني، لا تستقرئ متغيرات الواقع، لذلك وجدت نفسها معزولة'.
وفي خضم هذا الحراك السياسي، رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد الحوار مع من 'سرقوا البلاد ونهبوها'، بعد أن أكد خلال وقت سابق أن البلاد في حاجة إلى 'وحدة وطنية صماء'، بينما ترى الأحزاب الداعمة لمسار الـ25 من يوليو (تموز) 2021 أن رئيس الجمهورية في حوار مباشر ودائم مع الشعب التونسي، ويستمع إلى مشاغله.