البارادايم .. الفيل داخل العقل يحكم الإنسان ويغيّب العقل _ ناجي سعيد

يتحكّم دماغ الإنسان بباقي أعضاء الجسم ما يجعله محرّكاً عبر أعضاء أخرى للسلوك والمشاعر والأفكار والمعتقدات والعادات وهو أمر عائد إلى العلم والبيولوجيا.

ولكنّ المشكلة برأيي تبدأ حين يقبع الإنسان داخل الصندوق. وما أقصده بالصندوق، هو مجموع ما لدى الإنسان من معلومات وخبرات ومعارف ومعتقدات اكتسبها. فتحوّلت بفعل الدماغ إلى أنظمة رُسخَت في الدماغ لتلعب دور نظّارتِه.

فيصبح التصرّف أو السلوك نِتَاجًا لموقفٍ لا يطرحه العقل! وما ذكرته أعلاه، يتحكّم بالإنسان عبرَ ما يُدعى : 'البارادايم'.

والبارادايم هو مصطلح علمي، يعني بالعربيّة الانطباع أو المنظور. أو المُنطَلَق للرؤية والحكم، ويمكن تعريف البارادايم بأنه نظارة العقل أو نظام التفكير عند الإنسان والعدسات التي يرى من خلالها الحياة.

وعلى الرغم من أن الخبرات والمعلومات والمكتسبات الحسّية والعقلية مهمّة لتشكيل محور شخصيّة الإنسان. لكن ما يعيبها فعلاً، إهمال الإنسان لتطوير وتحديث وتجديد هذه الحقيبة التي تحمل مرتكزات الشخصيّة.

وقد قرأت في أحد المقالات عن شخصين هما. 'Kiven Smiler و Robin Hanson' ألّفا كتابًا بعنوان: 'الفيل بداخل العقل ،The Elephant in The Brain '.

وعن هذا الكتاب، أوردَ الصحفي السعودي 'صلاح صالح معمار' في مقالٍ ما يلي. «مع مطلع عام 2018 خرج لنا Kevin وصديقه Robin بكتاب 'الفيل الذي بداخل العقل. وهو كتاب غاية في الروعة، وحقق نجاحاً واسعاً جداً منذ اللحظات الأولى لنشره. فكرة الكتاب تقوم على أن خلف العديد من سلوكياتنا وأفكارنا دوافع خفية داخل عقولنا..»

الدوافع الخفيّة بأنّها كبيرة بحجم الفيل. وتُسبّب تشوّهًا في شخصيّتنا. وتجعل الشخص يعاني من الازدواجيّة التي تخدع ذاتها حتّى تخرج بصورة جميلة تناسب الآخرين فقط، ولو على حساب قهر الذات

وقد وصف الكتاب تلك الدوافع الخفيّة بأنّها كبيرة بحجم الفيل. وتُسبّب تشوّهًا في شخصيّتنا. وتجعل الشخص يعاني من الازدواجيّة التي تخدع ذاتها حتّى تخرج بصورة جميلة تناسب الآخرين فقط، ولو على حساب قهر الذات.

وقد لفتني هذا الموضوع، لأكتب عنه، بسبب ما تمّ إدراجه ضمن 'التخطيط الاستراتيجي' الذي أنجزناه خلال ثلاثة أيام. في جمعية برنامجها 'بناء السلام'، حيثُ أعمل.

والموضوع الذي طُرِح للنقاش، هو: 'mental models'. وقد ربطنا أسباب خضوع الناس لتلك 'النماذج العقليّة mental models' (لو صحّ التعبير باللغة العربية) بأسباب حدوث النزاعات بين الناس. وقد وجدتُ من خلال تجربتي في المجال التربوي، وأثناء تدريسي لمادّة 'المفاهيم الإنسانية' (اختصاص التنشيط الإجتماعي) بأنّ هذا ال'mental models' هو ما أطلق عليه أحد المراجع التي كنتُ أعتمدها في التدريس، مصطلح :البارادايم.

وما يُلفتني هو أن هذا 'البارادايم' أو النموذج العقلي -والأصح الدماغي- يحتل ذات الإنسان، والغلبة هنا للوضع الطبيعي دونما تدخّل العقل، فالدماغ مادّة نملكها والعقل طاقة نُنتجها. واحتلال النماذج الدماغيّة ناتجة عن كره الذات، أو بالأصحّ عدم الإيمان بالذات ومعرفتها والعمل على تقديرها وتطويرها بشكل مستمرّ. فأنا مؤمن ببيت الشعر: ' وتحسبُ أنّك جرمٌ صغير وفيكَ انطوى العالم الأكبرُ'.

فمعرفة الذات وتقديرها، تفتح للشخص الرغبة الدائمة للتعلّم. والتعلّم المستمرّ هو العجلة التي بدورانها..تقتل كلّ النماذج المُسبقة المفروضة على شخصيّة الإنسان.

لا أحبّ التعاميم والأحكام المسبقة، فلو قلت أنّ كلّ الناس خاضعة للنماذج الدماغيّة 'البارادايم' لوقعت في فخّ التعميم! ولكن التوصيف من الواقع المُعاش -تجربتي الشخصيّة- يُثبت بأنّ 'معظم' الناس كي لا أقول جميعها. تتبع النماذج المُسبقة والمُثبّتة في دماغ الإنسان، فلا تُفكّر في التصرّف أو الردّ. ترُدّ فورًا فيسكت العقل ليتكلّم الدماغ، فيتبع الناس قلبهم باسم الدماغ، ولا يتدخّل العقل المغلوب على أمره، فالريموت كونترول بيد الإنسان الغائب..إلى مُمطر أحيانًا.