اخبار سوريا
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ١٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
يدفع السوريون اليوم ثمناً باهظاً مقابل سياسات صُمّمت لتفريقهم وتسهيل إخضاعهم، عبر تحويل خلافاتهم اليومية إلى صراعات أفقية تُشغلهم عن الصراع العمودي الحقيقي مع السلطة، بوصفها المسؤولة عن ضياع الحقوق وغياب العدالة.
تراقب حكومة دمشق إعادة هندسة مجتمع أنهكته الحرب، سواء عبر 'تصرّفات فردية' أو تعليمات إدارية تبدو بريئة، وربما أحداث السومرية أواخر آب/ أغسطس الماضي كانت أوضح تجلٍّ لهذا النهج، إذ لم يكن الإخلاء القسري وحده ما هزّ الأهالي، ولا الانتهاكات التي سبقته، ولا حتى التهديد الصريح: 'إذا ما طلعتوا خلال ساعات رح نهدم السومرية على روسكم'، الأشدّ وقعاً كان حين جاء طرد السكان مقروناً بإنذار فجّ وجهه قائد الفصيل الذي اقتحم السومرية: 'إذا ما طلعتوا رح نفلت عليكم أهل المعضّمية.'
خلق العدواة بين الجيران 'سياسة' ورثتها حكومة دمشق من نظام الأسدين، منذ مشروع 'الحزام العربي' شمال شرق سوريا، وترحيل الكورد واستبدالهم بـ'عرب'، مروراً بحزام العشوائيات و'سكن الضبّاط' الذي يحيط بدمشق، ناهيك بعمليات استملاك أراضي ومنحها لمحسوبين على السلطة.
ومع اشتعال الثورة السورية ظهرت طائفية النظام والكثير من مواليه بصورة واضحة، لتقسم سوريا إلى 'حاضنات إرهابية' وقرى محسوبة عليه، جنّد رجالها في جيش الأسد وميليشيات الدفاع الوطني، بهذه التصنيفات، تحوّلت محافظات سورية إلى كيانات متقابلة يحمّل كلّ منها الآخر وزر الخراب.
امتدّت آثار الصراع بشكل متكرّر إلى النسيج الاجتماعي، مقترنة بعمليّات إعادة توزيع انتقائية للسكّان، كان أبرزها التهجير بـ'الباصات الخضر'. وتدريجياً، استُبدلت الجيرة التاريخية بـ'مجاورات' قائمة على الولاء والهويّة، وعن هذا صرّح الأسد الابن في خطابه في عام 2017، بأن النظام 'خسر خيرة شبابه والبنية التحتية، لكنّه ربح مجتمعاً أكثر صحّة وتجانساً'.
الهندسة السكّانية… بالقوّة و'القانون'!
قبل أن تُستخدم علامات X وO في السومرية للتفرقة بين المنازل، كانت التجربة الأولى في 'مساكن الحرس الجمهوري' قرب قدسيا، هناك، خُطّت على بعض الأبواب تواقيع ممهورة بكُنى مدن الجوار، أو محافظات أخرى مثل 'أبو العزّ الجوبري' أو 'ابن الدير' أو 'الإدلبي'، هذه الخربشات البسيطة حلّت عملياً محلّ أيّ تسوية حكومية مفترضة، إذ كان مجرد ظهورها على جدار، كفيلاً بتفريغ بعض الأبنية من سكّانها.
رغد. أ (25 عاماً) انتقلت مع أسرتها مطلع شباط/ فبراير من هوامش حيّ الورود إلى داخله، مسافة لا تتجاوز بضع حارات فصلت بيتهم عن خطّ التوتر المباشر، والسبب أن والدها موظّف إداري متقاعد كان يعمل في الجيش، تقول رغد: 'كنّا ساكنين ببيتنا، قبل ما يجو أشخاص (ما بيمثّلوا غير حالن والسلطة الجديدة) ليتقاسموا بيوت الحارة! يعني حطّي حالِك محلنا: ترجعي عالبيت تلاقي مكتوب عالباب أبو محمد الشاغوري، وحدا محاول يفتح بابك… بتقدري ترجعي وتعيشي بهالمكان؟ حتى بأول المساكن علّقوا لافتة كبيرة كاتبين عليها: جوبر كابوس الشبيحة'.
غادرت رغد المنزل مع أسرتها وسند الملكيّة، تاركين وراءهم ما لا يُحمل، مكتفين بالضروري، واستقرّت العائلة وسط حيّ الورود، الغالب عليه السكن العشوائي، والواقع بين مساكن الحرس وقدسيا، ورغم ضيقه السكاّني وتراجع خدماته، بدا لهم الملاذ الأقرب والأرخص.
تضيف رغد: 'بيوم النقلة، وقف واحد لابس الزي الرسمي بنص الحارة وصرخ: إذا ما بتفلّوا بالذوق منفلّت عليكم أهل قدسيا ها. خلال كم يوم، تبدّلوا كل سكان الحارة؛ اللي معو مصاري طلع عالساحل، واللي وضعو عقدو متلنا نزح على أقرب موقع بإيجار مقبول'.




































































