اخبار سوريا
موقع كل يوم -اقتصاد و اعمال السوريين
نشر بتاريخ: ٣ أب ٢٠٢٥
لا يزال هناك الكثير من الغموض الذي يكتنف عملية البدء بضخ الغاز الأذربيجاني إلى محافظة حلب، وبالتالي لا بد من طرح السؤالين التاليين: هل هذا الاتفاق هو بالفعل إنجاز للسلطة الجديدة..؟ وهل كمية 3.4 مليون متر مكعب يومياً من الغاز، هي كمية كبيرة وتقتضي كل هذه الاحتفالات، أم أنها كمية متواضعة جداً..؟
تأتي أهمية السؤال الأخير، إذا ما عرفنا أن إنتاج سوريا من الغاز كان قبل العام 2011 يبلغ أكثر من 22 مليون متر مكعب يومياً، بالإضافة إلى هذه الكمية كانت سوريا تستورد من مصر عبر خط الغاز العربي نحو 6 مليون متر مكعب يومياً، ومع ذلك كان المسؤولون يتحدثون عن نقص في الغاز يصل إلى نحو 5 ملايين متر مكعب يومياً، لتلبية كامل احتياجات البلاد.
أما بالنسبة للسؤال الأول، فإن اتفاق الغاز مع أذربيجان هو إحياء لاتفاق قديم كان قد وقعه وزير النفط في حكومة النظام الساقط، سفيان العلاو مع وزير الطاقة الأذري، في العام 2010، وتحديداً في مطلع الشهر الثالث، ويقضي بأن تزود أذربيجان سوريا بكمية 1,5 مليار متر مكعب سنوياً، عبر خط الغاز التركي، أي بحدود 3,4 مليون متر مكعب يومياً، وهي نفس الكمية التي تم البدء بضخها أمس السبت.
وتعود جذور هذا الاتفاق، إلى الزيارة التي قام بها رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، إلى أذربيجان، في الشهر السابع من عام 2009، حيث وقعت وزارة النفط السورية ووزارة الطاقة الأذرية على محضر اجتماع تم الاتفاق خلاله على بدء مفاوضات بهدف إبرام اتفاق طويل الأمد لبيع وشراء الغاز الطبيعي بكمية من مليار إلى مليار ونصف متر مكعب سنوياً.
واتفق الجانبان كذلك على تعزيز آفاق التعاون في مجال نقل الغاز الأذري عبر شبكة الغاز السورية إلى مستهلكين آخرين في البلدان العربية.
طبعاً، لم يتم تنفيذ الاتفاق، ولم تضخ أذربيجان متراً مكعباً واحد من الغاز إلى سوريا، بسبب عدم جاهزية خط الغاز في الجانب السوري الذي كان يحتاج إلى مسافة نحو 40 كيلو متراً لكي يصل إلى مدينة كلس التركية، فضلاً عن أنه في تلك الفترة، ثارت الكثير من النقاشات والمخاوف داخل الحكومة السورية من أن تستخدم تركيا ورقة الغاز الأذري كأداة للضغط السياسي على سوريا وعلى غيرها من الدول العربية، مستشهدين بما فعلته تركيا باليونان عام 2007، عندما عاقبتها بأن أوقفت إمدادات الغاز عنها عبر خط تابو، رغم وجود اتفاق يعود للعام 2005، يلزم تركيا بإمداد اليونان بالغاز بعيداً عن المناكفات السياسية.
وبهذا الخصوص يرى المستشار القانوني والاقتصادي السوري، الدكتور إيهاب أبو الشامات، أن مشروع تزويد حلب بالغاز بتمويل قطري أذربيجاني مشترك، هو في جوهره يخفي تحركاً جيوسياسياً معقداً.
ويوضح أبو الشامات في منشور تداولته العديد من الصفحات الاقتصادية على 'فيسبوك' أن الاتفاق يقضي بأن تُورّد تركيا نحو 1.2 مليون متر مكعب يومياً من الغاز إلى المنطقة الصناعية في الشيخ نجار بحلب، على مدى ثلاث سنوات مبدئية قابلة للتمديد.
التمويل يُقسَّم بين الجانب القطري (دعم لوجستي وتمويلي)، وشركة Socar الأذربيجانية التي توفّر الغاز المصدر عبر شبكة TANAP.
وبيّن أن الغاز لن يُباع مباشرة لسوريا بل يُقدّم كجزء من آلية دعم صناعي لمناطق الإنتاج في الشمال السوري، عبر شركات تشغيل محلية مُرخّصة من الجانب السوري، ضمن رقابة مشتركة بين الرئاسة السورية والمؤسسة العامة للنفط.
ويضيف الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال، أن تركيا وعلى الرغم من أنها لا تُصنّف من كبار منتجي الغاز، إلا أنها تسعى منذ أكثر من عقد لتكون مركزاً إقليمياً لتوزيعه، مستفيدة من موقعها بين الشرق والغرب، وارتباطها بشبكات الغاز الروسية، الأذربيجانية، والإسرائيلية سابقاً.
ولفت إلى أن طموح أنقرة لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل يشمل النفوذ السياسي في الدول التي تمر بها أنابيبها، مشيراً إلى أن التاريخ يُظهر أن خطوط الغاز التركية ليست محايدة سياسياً، بل تُستخدم كأداة للتأثير الناعم، وأحياناً للضغط الصلب.
ورأى أبو الشامات أن الغاز التركي قد يبدو فرصة واعدة لإحياء عجلة الإنتاج في حلب، لكنه ليس مشروعاً بريئاً تماماً، فالتجارب السابقة تُظهر أن أنقرة لا تمرر الغاز مجاناً، لكنه أكد بأن القيادة السورية، تقترب من الأنبوب بحذر ناضج، وترفض أن تكون مثل الدول التي وقّعت ثم دفعت الثمن.