اخبار سوريا
موقع كل يوم -سناك سوري
نشر بتاريخ: ١٣ أيلول ٢٠٢٥
وسط رفوف بسيطة داخل غرفة منزلية صغيرة، وبميزانية بلغت 300 ألف ليرة، لم تكن تكفي لشراء كافة مستلزمات المشروع، نجحت 'فاطِمة عمران' بتحويل مادة صلبة كالكونكريت إلى مشروع صغير ناجح بمدينة طرطوس، في مصادفة لم تكن تتوقع أنها ستصبح مهنة للشابة العشرينية.
قبل نحو عام، وبعد تخرج 'فاطمة' من كلية الهندسة الزراعية، وجدت نفسها أمام وقت فراغ طويل، تزامن مع عملها في مؤسسة تقدم دورات تدريبية في حمص، وبتشجيع من المدرب، حضرت دورة متخصصة بالكونكريت، فكانت البداية الفعلية لمشروعها.
تضيف فاطمة لـ'سناك سوري'، أنه وبعد انتقالها إلى طرطوس، أطلقت متجرها الرقمي تحت اسم 'Fatima Gallery'، مدعومة بتشجيع عائلتها ومساندتهم.
'صممت خصيصاً لأجلك' هكذا تصف 'فاطِمة' قطعها، حيث تفضل قبل البدء بتصميم أي قطعة، أن يرسل لها الزبون صورة للمكان الذي ستوضع فيه القطع، لتصمم ما يليق بديكور المنزل من حيث الشكل والألوان،
وتراعي المزج بين الهدوء والابتعاد عن الألوان الصاخبة، لتخرج بقطع متقنة في أدق تفاصيلها كما تقول لـ 'سناك سوري'.
ولا تكتفي بذلك، بل تواصل البحث وتعلّم مهارات جديدة، سواء اكتشاف طرق مبتكرة للتلوين، أو دمج فنون حديثة مع الكونكريت، أو البحث عن قوالب فريدة تميّز أعمالها عن المشاريع المنافسة.
كان المكان أبرز الصعوبات التي واجهت 'فاطِمة'، فحين قررت الانطلاق، جاءت إلى المنزل حاملة 5 كيلوغرامات من الجبس، وحجزت غرفة داخل منزل عائلتها، صمّم والدها لها رفوفاً لأدواتها وقطعها، وترافق هذا التحدي مع إداركها لأهمية تنظيم وقتها ومراعاة خصوصية أهلها لتفادي إزعاجهم.
وتقول 'فاطِمة' لـ 'سناك سوري' إن دعم أهلها جعل بقية الصعوبات تتلاشى أمامها، فوجودهم كان سر استمرارها.
وتضيف أن أصعب موقف واجهته في مشروعها كان التسعير، ففي البداية، كانت تُسعر منتجاتها بطريقة غير مدروسة تظلم جهدها، وهو خطأ شائع بين أصحاب المشاريع الصغيرة الحديثة، ومع الوقت تعلمت دراسة جميع جوانب العمل بتأنٍ حتى توصلت إلى أسلوب تسعير عادل وواضح.
أما التّوفيق بين العمل والحياة اليومية، فتُكرّس 'فاطمة' وقتها لمشروعها الذي لا يزال في بدايته وبحاجة اهتمام متواصل.
وتُكمل أنّها وحدها المسؤولة عن جميع مراحل العمل، من الفكرة والتشكيل، مروراً بالتجفيف والتلوين، وصولاً إلى التغليف والتسليم، لتصل القطع إلى الزبون كما تتخيلها، وبمجرد أن يقف المشروع على أرض صلبة، ستسعى لتحقيق توازن أكبر وربما تكوين فريق يشاركها الشغف.
'منتجاتي فيها روح، وفيها نبض من الحياة'، تقول 'فاطِمة'، موضحة أنَّها محظوظة بزبائن يطلبون القطع ويروون قصتهم.
وتضرب أمثلة على ذلك، إحداهن أرادت الاحتفال بختم أختها للقرآن الكريم، فابتكرت لها 'فاطِمة' قطعة على شكل كفّ تلائم رمزية المناسبة، وفي قصة أخرى، طلبت عروس قطعة تُخلّد قصة حب تكللت بالزواج لتزين بها منزلها الجديد. كما لجأ شاب إليها ليهدي حبيبته قطعة من متجرها المفضل تعبيراً عن اعتذاره بعد خلاف بسيط.
كل هذه الحكايات تلهمها لتصمم القطع بروح مفعمة بالمحبة، وكأنها تروي القصة بالفن لا بالكلمات.
'المحتوى هو الملك' قاعدة تتبعها 'فاطِمة' في التعامل مع منصات السوشال ميديا، حيث تجد أنها ليست مجرد مساحة لعرض المنتجات، بل فرصة لبناء علاقة حقيقية وصادقة مع المتابعين.
وركزت على جانبين أساسيين، أولهما الصدق التام مع العملاء، إذ لا تتردد في مشاركتهم التحديات والتجارب والمعلومات الجديدة لتحقيق فائدة متبادلة، أما الجانب الثاني فهو التّواصل الدائم، حيث تتعامل مع متابعيها كجزء من رحلتها وليسوا مجرد زبائن، ما جعل العلاقة أقرب وأكثر دفئاً.
من وجهة نظر 'فاطِمة'، التّسويق هو مفتاح نجاح أي مشروع، لذا تدعو أصحاب المشاريع الصغيرة لتعلّم أساسيات التسويق والبزنس، سواء عبر كورسات مجانية أو فيديوهات على يوتيوب، ليصبح المشروع جاهزاً للانطلاق عندما يرافقه الطموح والتجربة.
'فاطمة' اليوم أصبحت تعطي دورات تدريبية في فن الكونكريت، حيث تشارك خبرتها مع الآخرين، وتشجع الشباب للبدء بمشاريعهم الخاصة وتحويل أفكارهم إلى واقع ملموس.
يذكر أن فن الكونكريت بات أحد الاتجاهات الحديثة في الصناعات اليدوية والديكور، حيث يجمع بين قوة المادة وصلابتها، وبين إمكانية تحويلها إلى أشكال فنية بسيطة وأنيقة، ويستخدم في صناعة أواني النباتات، والشمعدانات، والإكسسوارات المنزلية وحتى القطع التذكارية، لما يتميز به من متانة وسهولة التشكيل وانخفاض التكلفة مقارنة بمواد أخرى.
تجربة 'فاطمة' تكشف كيف يمكن لمادة جامدة كالإسمنت أن تتحول بين يدي الشباب إلى فن حيّ يحمل بصمتهم الشخصية، ويمنح المشاريع الصغيرة روحاً جديدة وفرصاً واسعة للنمو.