مؤتمر دولي في جامعة حلب لإحياء المكتبة الوقفية وتأهيل التراث لصناعة المستقبل

الجماهير|| جهاد اصطيف..

شهدت جامعة حلب انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي ' إحياء المكتبة الوقفية بحلب.. تأهيل التاريخ لصناعة المستقبل' الذي يستضيفه معهد التراث العلمي العربي على مدار يومين، وذلك بحضور رسمي وعلمي واسع ضم وزير الأوقاف الدكتور محمد أبو الخير شكري، ووزير الثقافة محمد ياسين صالح، ورئيس جامعة حلب الدكتور محمد أسامة رعدون، إلى جانب مفتي حلب الدكتور إبراهيم شاشو، ومعاوني محافظ حلب، وحشد من الباحثين وأعضاء الهيئة التدريسية والمهتمين بالتراث والمخطوطات.

فيلم افتتاحي يعرض مشروع الإحياء

استهلت الجلسة الافتتاحية بعرض فيلم قصير تضمن رؤية شاملة لمشروع إحياء المكتبة الوقفية، وأضاء على أهمية تأهيل المباني التراثية ووضعها في خدمة المشروع الثقافي والمعرفي الذي تتبناه بالتعاون مع المؤسسات الشريكة.

إشادات بقيمة المكتبة الوقفية ودورها التاريخي

وأجمعت الكلمات الافتتاحية على أهمية المكتبة الوقفية باعتبارها أحد أقدم كنوز حلب العلمية، مشيرة إلى أن علماء المدينة استشعروا قبل نحو مئة عام خطر ضياع مكتباتها فسعوا إلى جمعها في المكتبة الوقفية، التي ضمت آنذاك نحو 10 آلاف كتاب من النفائس، بينما كان يقدر وجود 50 ألف مخطوط في الجامع الأموي الكبير.

كما تم التأكيد على أن فكرة إحياء المكتبة تجددت قبل قرابة عشرين عاماً مع احتفال منظمة الإيسيسكو بحلب عاصمة للثقافة الإسلامية، حيث نقلت المكتبة حينها إلى مقر جديد مجهز ومؤهل، قبل أن تنتقل لاحقاً إلى إسطنبول خوفاً من قصف ' النظام البائد'، لتتابع مسيرتها تحت كنف وقف السلطان أحمد، وبعد تحرير المدينة، عادت المكتبة إلى موطنها الطبيعي في حلب، لتنطلق من مدرسة الفردوس الأيوبية، وتعود حاضنة للتراث ومركزاً لحفظ المخطوطات واستعادتها ومن بينها مخطوطات أعيدت من دمشق، وإبراز الوجه الوقفي الحلبي بأبهى صورة.

دور محوري في المستقبل العلمي والثقافي

شارك المتحدثون رؤيتهم بأن تأهيل المكتبة وتوظيفها سيشكل منطلقاً للمراكز العلمية والثقافية، وسيعزز دورها في حفظ التراث ونشره، خصوصاً عبر التعاون مع المؤسسات والمنظمات العربية والدولية، وأكدوا أن حلب لطالما كانت فضاء للعلم والعمران، وأن هذا المؤتمر يمثل رسالة دعم مادي ومعنوي لإحياء مكتبة تاريخية عريقة أسسها شرف الدين ابن العجمي قبل سبعة قرون، بهدف المحافظة على المباني الأثرية وتوظيفها بما ينسجم مع احتياجات العصر دون التفريط بدورها الوقفي في خدمة المجتمع.

شراكة بين وزارتي الأوقاف والثقافة

وشددت الكلمات أيضاً على أهمية التشاركية بين وزارتي الأوقاف والثقافة في صون تراث المدينة، واعتبار هذه الشراكة استراتيجية حيوية، ورأى المشاركون أن انعقاد المؤتمر اليوم يمثل دليلاً على أن حلب تسير على طريق استعادة ألقها وأصالتها ودورها العلمي ومكانتها وقرارها، باعتبار المرحلة الراهنة مرحلة بناء تتطلب عمل مشترك ورؤية واضحة.

الإيسيسكو تعلن مشروعاً متكاملاً لإحياء تراث حلب

وشهد حفل الافتتاح كلمة منقولة للمدير العام للإيسيسكو الدكتور سالم بن محمد المالك، أعلن خلالها عن إطلاق مشروع متكامل لإحياء التراث المادي وغير المادي لحلب بما يعزز مكانتها الحضارية.

قراءة في الماضي وتصورات للمستقبل

انطلقت أولى جلسات المؤتمر بمحاضرة للدكتور محمود المصري، المشرف على أعمال إحياء المكتبة الوقفية، بعنوان: ' المكتبة الوقفية (المدرسة الشرفية) في أقدم مدن العالم.. أرشيف التاريخ واستشراف المستقبل '، حيث استعرض جذور المكتبة ودورها التاريخي وملامح مشروع التأهيل.

فيما افتتح الدكتور صخر علبي الجلسة الثانية بمحاضرة عن توظيف المباني الأثرية، قبل أن تتتابع المحاضرات لتغطي محاور متخصصة، أبرزها : أخلاقيات التصميم في إعادة الاستخدام التكييفي للدكتور جلال الدين خانجي من جامعة غازي عنتاب، و إدارة معلومات المواقع التاريخية ودورها في إعادة الاستخدام التكيفي للدكتور صلاح حاج إسماعيل من جامعة يلدرم بيازيد، و أهمية شرط الواقف وأهداف الوقف في توظيف المباني الأثرية للدكتور بلال صفي الدين من جامعة حلب، و استعادة مخطوطات حلب للدكتور فيصل الحفيان من دار المخطوطات، و إعادة تأهيل المباني الأثرية بوظائف ثقافية .. حالات وتجارب للدكتور محمود زين العابدين من جامعة يلدز التقنية.

مشاريع تأهيل شاملة لمبان تاريخية

شهدت الجلستان الثالثة والرابعة مجموعة واسعة من المحاضرات التي تناولت خططاً معمقة لتأهيل المباني الملحقة بالمكتبة الوقفية وتحويلها إلى مراكز ثقافية وعلمية، ومن أبرز المشاريع المطروحة: إعادة تأهيل صالات الجامع الكبير لتضم قاعة محاضرات وصالة معارض، وتحويل مدرسة الشيباني إلى معهد عال للدراسات العمرانية، وتأهيل تكية أصلان دادا لتصبح متحفاً لإيجاد الجامع الكبير، والمدرسة الحلوية لتصبح متحفاً للفنون الإسلامية، وتحويل المدرسة السعدية إلى مدرسة للخطاطين والصنائع، وكذلك تأهيل بيت قطر أغاسي كمركز رئيسي للمكتبة الوقفية، و إعادة تأهيل البيمارستان النوري ليصبح متحفاً لتاريخ العلوم، وتحويل مدرسة الفردوسي إلى مركز لموسوعة المخطوط العربي، و تأهيل المدرسة الأحمدية لتكون متحفاً لتاريخ حلب العثمانية، و تجهيز قصر رجب باشا كمركز لترميم وحفظ المخطوطات، و قاعات في قلعة حلب لتكون مركزاً لأرشيف المدينة ومعرضاً لمخطوطات المكتبة الوقفية.

وقد قدم هذه الدراسات عدد من الدكاترة والمهندسين من عدة جهات متخصصة في العمارة والتراث وإدارة المواقع التاريخية.

عروض مؤسساتية واتفاقيات دعم وتمويل

من المقرر أن ينطلق اليوم الثاني للمؤتمر تحت عنوان: ' دور حلب في التراث والعلوم والعمران وإسهامات المؤسسات “، حيث يتضمن تقديم نماذج لمشروعات المؤسسات المشاركة، وعروض أفلام تعريفية لبعض الدور العلمية والثقافية، وكلمات المؤسسات لتحديد آليات الدعم ونوعية التمويل لكل جهة، واختتام المؤتمر بكلمات المشاركين وإعلان التوصيات وتوقيع الاتفاقيات.

إن هذا المؤتمر، بمجموع برامجه العلمية ومشاريعه العملية، يعكس اتجاهاً واضحاً نحو استعادة الدور الحضاري لمدينة حلب وإحياء تراثها المكتوب والمعماري، ضمن رؤية تتكامل فيها جهود المؤسسات الرسمية والأكاديمية والدولية لإعادة بناء الذاكرة الثقافية للمدينة وإطلاقها نحو مستقبل أكثر إشراقاً.