اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ٥ تموز ٢٠٢٥
في الوقت الذي تهيمن فيه الصين على سوق المعادن النادرة عالميًا، فإن هذا التفوق لم يأتِ دون تكلفة باهظة، خصوصًا على الصعيد البيئي والصحي.
فمن شمال البلاد إلى جنوبها، تتكشف آثار مدمرة خلفتها عقود من التعدين غير المنضبط، ما دفع السلطات لمحاولات إصلاح لم تنجح بالكامل في احتواء حجم الكارثة.
في مدينة باوتو بمنطقة منغوليا الداخلية، التي تُعد عاصمة صناعة المعادن النادرة في الصين، تمتد بحيرة اصطناعية ملوثة تُعرف باسم 'سد ويكوانغ'، أنشئت منذ خمسينيات القرن الماضي لاستيعاب نفايات عمليات معالجة المعادن.
هذه البحيرة، التي تغطي مساحة 16 كيلومترًا مربعًا، أُنشئت من دون بطانة عازلة، ما سمح للمواد السامة مثل الرصاص والكادميوم والثوريوم المشع بالتسرب إلى المياه الجوفية.
خلال أشهر الشتاء والربيع، تجف طبقة الطين السام وتتحول إلى غبار محمل بالمعادن الثقيلة، تلتقطه الرياح وتنشره على نطاق واسع. أما في الصيف، فيغمر سطح البحيرة طبقة مياه ممزوجة بالسموم، تغذي التلوث العميق في باطن الأرض. وقد أشارت أبحاث محلية إلى أن نسب التلوث ترتفع كلما اقتربت من البحيرة، ما يشكل تهديدًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا.
إلى الجنوب، في منطقة لونغنان بمقاطعة جيانغشي، أدى التعدين المكثف للمعادن الثقيلة النادرة إلى تدمير عشرات الوديان وتحويل التربة الخضراء إلى أراضٍ جرداء ملوثة بالطين الأحمر. وقبل تشديد الرقابة في عامي 2010 و2011، كانت المناجم غير المرخصة تفرغ الأحماض والأمونيا في المجاري المائية، ما أدى إلى تلوث المحاصيل والمياه.
التقارير الأكاديمية الصينية وبيانات الهيئات الحكومية توثق حجم الكارثة. ففي باوتو، حذّرت هيئة إدارة الإشعاع البيئي من أن منجم 'بايان أوبو' القريب يُطلق الثوريوم المشع في الهواء والمياه الجوفية منذ سنوات، بينما كشفت دراسات أخرى أن أطفال المنطقة يعانون من اضطرابات في النمو الذهني ونسب مرتفعة من المعادن السامة في أجسامهم.
ورغم تنفيذ الحكومة حملات تنظيف واسعة على مدار العقد الماضي، وتخصيص مليارات الدولارات لهذه الجهود، فإن التحديات تبقى جسيمة. فقد جرى تعزيز السد المحيط ببحيرة النفايات بالحجارة، وبُنيت قناة خرسانية لاحتواء أي تسرب محتمل، كما نُقلت مجتمعات سكنية كانت قريبة إلى أماكن أقل تلوثًا. لكن حجم التلوث الهائل والتعقيدات الجيولوجية تجعل من الصعب معالجة البحيرة بالكامل أو نقل نفاياتها إلى مواقع آمنة كما حدث في تجارب سابقة بأوروبا.
يُذكر أن الحكومة المحلية تملك مجموعة 'باوجانغ' العملاقة، التي تُعد أكبر منتج للمعادن النادرة وتدير مناجم باوتو، ما يطرح تساؤلات حول تضارب المصالح بين الرقابة والتشغيل. وقد زادت السلطات من الرقابة على تغطية التلوث إعلاميًا، إذ اختفت تقارير سابقة تحدثت عن نفوق الماشية وتسمم الأراضي.
وعلى الرغم من بعض مظاهر التحسن، كوجود بطانة في بعض أحواض النفايات الحديثة، فإن صورًا حديثة أظهرت مجاري مياه بلون برتقالي زاهٍ تتدفق من المناجم، ما يؤكد أن الخطر لم يُحتوَ بعد.
الصين، التي أصبحت لاعبًا رئيسيًا في السوق العالمي للمعادن المستخدمة في الإلكترونيات والطاقة المتجددة والتكنولوجيا العسكرية، باتت تدرك الآن أن السيطرة الصناعية لا يمكن أن تستمر على حساب البيئة والصحة العامة، وهو درس تدفع ثمنه غالياً بعد عقود من الإهمال.