اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢١ تشرين الأول ٢٠٢٥
الرياض - الثقافي
يُظهر تقرير الحالة الثقافية لعام 2024م الأثر الثقافي الصادر عن وزارة الثقافة، ملامح مرحلة استقرار ونضج ثقافي تشهدها المملكة، حيث واصلت مؤشرات المشاركة الثقافية ارتفاعها واستقرارها على نحوٍ يعكس عمق التحوّل الذي طرأ على علاقة المجتمع بالثقافة والفنون، وازدياد حضور الأنشطة الثقافية في الحياة اليومية للسعوديين.
'استقرار المشاركة واتساع الحضور المجتمعي'
يُبرز التقرير أن نسبة من شاركوا في الأنشطة الثقافية بلغت 69 % من إجمالي عينة المسح، وهي النسبة ذاتها المسجلة في العام 2023، ما يعكس حالة الاستقرار الإيجابي للمشهد الثقافي، وثبات اهتمام المجتمع بالمشاركة المستمرة في الفعاليات والمهرجانات والمشروعات الإبداعية. كما أظهر التقرير ارتفاعًا لافتًا في بعض المؤشرات النوعية، أبرزها الزيادة في زيارة المعارض الفنية بنسبة 19.6 %، وهو مؤشر على تزايد إقبال الجمهور على الفنون البصرية، واتساع مساحة التذوق الفني لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، خاصة في المدن الكبرى التي باتت تشهد حضورًا ثقافيًا مستدامًا.
'ازدهار المسرح والموسيقى والفعاليات الفنية'
وبينما شهدت بعض الأنشطة الثقافية مثل المتاحف تباطؤًا طفيفًا في النمو، إلا أن مجالات أخرى -وعلى رأسها المسرح والأمسيات الشعرية والحفلات الغنائية- شهدت ارتفاعًا في معدلات المشاركة، ما يعكس حيوية القطاع الإبداعي وقدرته على جذب فئات جديدة من الجمهور، خصوصًا الشباب.
ويشير التقرير إلى أن المهرجانات الثقافية والمواسم الفنية الكبرى أسهمت في توسيع دائرة المشاركة، وتعزيز الحضور الثقافي في الفضاء العام، بما في ذلك الفعاليات التي أقيمت في المناطق التاريخية والهوّيات المحلية، لتكون الثقافة عنصرًا جامعًا لكل مناطق المملكة.
'المرأة شريكة في المشهد الثقافي'
من أبرز المؤشرات الإيجابية التي سجلها التقرير هو التكافؤ بين الرجال والنساء في معدلات المشاركة الثقافية؛ إذ بلغت مشاركة النساء 26 % من إجمالي المشاركين في مختلف الأنشطة، لتتساوى تقريبًا مع مشاركة الرجال للمرة الأولى.
ويعد هذا التحول إنجازًا لافتًا يعكس تمكين المرأة السعودية في المشهد الثقافي، ودورها المتزايد في إثراء الفنون، والمشاركة في الإنتاج والإدارة والتنظيم الثقافي، ما يجعلها عنصرًا فاعلًا في صناعة المشهد الثقافي الوطني.
'نمو التنظيم الثقافي المجتمعي'
يرصد التقرير توسعًا في المنظمات الثقافية غير الربحية التي تعمل على إشراك المجتمع في الفعل الثقافي، إذ تم تأسيس 34 منظمة جديدة خلال عام 2024م، ليرتفع إجمالي المنظمات إلى 140 منظمة نشطة، أي ما يعادل أكثر من ضعف العدد قبل عام 2020م.
كما سجل العام نفسه تأسيس 381 نادي هواة ثقافي في مختلف مناطق المملكة، وهو رقم يعكس انتشار العمل التطوعي الثقافي وتنامي المبادرات المحلية التي تصنع المشهد من داخل المجتمع، لتكون الثقافة مشروعًا مجتمعيًا يشارك فيه الجميع.
'الثقافة في كل بيت'
وفي حين تتركز بعض الفعاليات الكبرى في المدن الرئيسة، إلا أن التقرير يوضح أن الأنشطة الثقافية بدأت تمتد إلى مناطق جديدة عبر المهرجانات المحلية، والفعاليات المجتمعية، ومبادرات المواهب الشابة، ما جعل الثقافة جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية، لا حدثًا موسميًا عابرًا.
وقد شكّلت الأنشطة المرتبطة بالتراث والطبيعة والفنون التفاعلية أحد أبرز مسارات المشاركة الثقافية في العام الماضي، لتؤكد أن مفهوم المشاركة بات أوسع من الحضور، يشمل التفاعل، والتجربة، والتطوع، والإبداع المشترك.
'ثقافة متجذرة ومجتمع متفاعل'
يختتم التقرير بالإشارة إلى أن المشهد الثقافي في المملكة يعيش مرحلة نضج نوعي، يتجلى فيها وعي المجتمع بأهمية الثقافة كقيمة حياتية وإنسانية، وكرافد للانتماء والهوية.
إن استقرار مؤشرات المشاركة الثقافية، وتكافؤ الفرص بين الجنسين، واتساع قاعدة التنظيم الأهلي، كلها دلائل على أن الثقافة في السعودية لم تعد نشاطًا نخبوياً، بل ممارسة يومية تشارك فيها الأسرة، والشباب، والمبدعون، والمؤسسات على حد سواء.
إنه تحول ثقافي عميق يرسخ مقولة التقرير: 'ثقافتنا هويتنا'، ويؤكد أن المجتمع السعودي أصبح شريكًا فاعلًا في صناعة الحاضر الثقافي للمملكة، وبناء مستقبلها الإبداعي المزدهر.