اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١٥ تموز ٢٠٢٥
فهد الأحمري
في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الدول والمؤسسات، بات الاعتماد على الاستشاريين الأجانب ظاهرة شائعة في العديد من القطاعات التي تسعى عادة إلى الحصول على خبرات خارجية لدعم قراراتها الإدارية وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
ورغم ما يوفره هذا الخيار من فوائد تتمثل في الخبرة العالمية والنظرة المحايدة والتقنيات المتقدمة، إلا أن الاعتماد المفرط على الاستشاريين الأجانب يمكن أن يتحول إلى عائق أمام تحقيق الاستقلالية المؤسسية والاستفادة من الكفاءات المحلية.
أحد أبرز الأسباب التي تدفع المؤسسات إلى الاستعانة بالاستشاريين الأجانب هو الحاجة إلى خبرات متخصصة قد لا تكون متوفرة محليا.
في حالات معينة، يمكن لهذه الخبرات أن توفر حلولا مبتكرة وممارسات عالمية تسهم في تحسين الأداء المؤسسي.
ومع ذلك، فإن الإفراط في هذا الاعتماد قد يؤدي إلى تكريس ثقافة التبعية بديلا عن بناء القدرات الداخلية، إذ أنه غالبا ما يتم اتخاذ القرارات بناء على توصيات الاستشاريين دون مراعاة الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المحلي، مما يجعل هذه القرارات غير فعالة على المدى الطويل أو غير متوافقة مع واقع المؤسسة.
علاوة على ذلك، يترتب على الاعتماد المفرط على الاستشاريين الأجانب تكلفة اقتصادية باهظة، إذ يتم إنفاق مبالغ ضخمة على التعاقد مع خبراء أجانب، في حين يمكن استثمار هذه الأموال في تطوير الموارد البشرية المحلية.
إن تجاهل الكفاءات المحلية والتقليل من شأن الخبرات الوطنية قد يعزز من شعور الإحباط لدى العاملين المحليين ويضعف من قدرتهم على المشاركة في صنع القرار. هذا الإقصاء يخلق فجوة بين الاستشاريين الأجانب وأفراد المؤسسة، مما يؤدي إلى صعوبة تنفيذ التوصيات واقتناع الأطراف المعنية بجدواها.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الاعتماد المفرط على الاستشاريين الأجانب إلى فقدان السيطرة على الهوية المؤسسية، فغالبا ما تأتي هذه الاستشارات بحلول مستوردة لا تأخذ في الاعتبار السياق المحلي، مما يجعل المؤسسة تتبنى نماذج إدارية لا تتناسب مع احتياجاتها الفعلية.
كما أن بعض الاستشاريين قد يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة أو تعزيز نفوذ شركاتهم الأم، مما يثير تساؤلات حول مدى حيادية توصياتهم.
لحل هذه الإشكالية، يجب على المؤسسات تبني نهج متوازن في التعامل مع الاستشاريين الأجانب. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقليل الاعتماد على الاستشارات الخارجية تدريجيا، مع التركيز على بناء القدرات الداخلية وتطوير الكفاءات المحلية.
يتطلب وضع استراتيجية واضحة لتدريب الموظفين المحليين على المهارات الإدارية والتقنيات المطلوبة، بما يضمن استمرارية العمل دون الحاجة المفرطة إلى تدخل خارجي. كما يجب على المؤسسات بناء شراكات مع الاستشاريين الأجانب بهدف نقل المعرفة بديلا عن تقديم حلول جاهزة فقط.
في نهاية المطاف، فإن الاستفادة من الاستشاريين الأجانب يمكن أن تكون أداة فعالة في تحقيق التطوير المؤسسي إذا ما تم استخدامها بحكمة واعتدال. ومع ذلك، فإن تعزيز الاعتماد على الكفاءات المحلية وتطويرها يبقى الحل الأمثل لتحقيق الاستدامة والاستقلالية في القرارات الإدارية.
بصيرة.. المنشآت التي تدرك أهمية التوازن بين الاستشارات الخارجية وتنمية الموارد الداخلية هي التي تستطيع تحقيق النجاح -على المدى البعيد- مع الحفاظ على هويتها وتماسكها.