اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ٢١ نيسان ٢٠٢٥
في مشهد يملؤه الحزن والتقدير، ودّعت الساحة الأدبية والثقافية في السعودية أحد أعمدتها الراسخة، برحيل الأديب والشاعر والصحفي سعد بن عبد الرحمن البواردي مساء الأحد، عن عمر ناهز 98 عامًا، بعد مسيرة تجاوزت ستة عقود من العطاء المتواصل.
وشيّع محبوه جثمانه إلى مقبرة الشمال بالرياض، بعد أداء الصلاة عليه في جامع عبدالله المهيني، وسط حضور واسع من المثقفين والإعلاميين الذين عبّروا عن بالغ حزنهم لفقدان هذا الاسم اللامع في ذاكرة الوطن الثقافية.
مسيرة حافلة
ولد سعد البواردي عام 1930م في محافظة شقراء، حيث نشأ في بيت شاعر وأمير هو والده، الذي توفي مبكرًا، ما دفعه لمتابعة دراسته في عنيزة ثم الطائف.
بدأت رحلته المهنية من وظائف متواضعة في المنطقة الشرقية، وصولًا إلى دخوله عالم الصحافة بمحض الصدفة، ليتحوّل لاحقًا إلى أحد رموزها المؤثرين في المملكة.
أسس مجلة 'الإشعاع' في مدينة الخبر عام 1375هـ (1955م)، وكانت من أولى المجلات الأدبية الاجتماعية في المملكة، رغم تواضع إمكانياتها وميزانيتها المحدودة.
ودوّن في سيرته الذاتية 'شريط الذكريات' الظروف الصعبة التي رافقت صدور المجلة، حيث كتب جميع موادها بنفسه، مولها من راتبه الشخصي، وكان يحمل أحيانًا أسماء مستعارة مثل 'فتى الوشم' و'أبو نازك'.
'صومعة الفكر' زاوية خالدة
لم يكن البواردي مجرد شاعر أو صحفي، بل كان صاحب مشروع ثقافي متكامل، تجسد في زاويته الشهيرة 'استراحة داخل صومعة الفكر' التي كتبها لعقود في صحيفة الجزيرة.
وفي هذه الزاوية، جمع بين الفكر الساخر والطرح الفلسفي العميق، مقدّمًا نقدًا اجتماعيًا لاذعًا بأسلوب أدبي راقٍ، ما جعلها محطة أسبوعية ينتظرها القرّاء والمثقفون بشغف.
محطات رسمية ومناصب متعددة
تقلّد الراحل عددًا من المناصب البارزة، من بينها إدارة العلاقات العامة، وسكرتارية المجلس الأعلى للتعليم، كما شغل منصب ملحق ثقافي للشؤون الإعلامية في بيروت والقاهرة، ضمن وزارة التعليم العالي، ما أكسبه خبرات ثقافية وإعلامية فريدة، أثْرت مشواره الأدبي.
شاعر الوطن وقضايا الأمة
عرف عن البواردي التزامه بقضايا التحرر والعدالة، وتميز شعره بتنوعه بين الرومانسية والواقعية، كما تناول الهمّ العربي بقصائد رمزية لافتة، من أبرزها ديوان 'صفارة الإنذار'، الذي تناول فيه الخطر الصهيوني، ومجموعة 'شبح من فلسطين' التي عبّرت عن موقفه المبدئي تجاه القضية الفلسطينية.
وقد كتب عنه كبار النقاد، مثل الدكتور حسن الهويمل الذي عدّه من أبرز شعراء نجد في العصر الحديث، ووصفه الدكتور عبد الله المعيقل بأنه شاعر 'ناصر قضايا الحرية وغنّى للوطن'، فيما أكد الدكتور بكري شيخ أمين أن أدبه زاوج بين الفن والموقف، وانتهج أسلوبًا يبعث الأمل رغم كل التحديات.
التكريم والاعتراف الوطني
في عام 1435هـ (2014م)، كُرّم سعد البواردي كشخصية ثقافية رئيسية في مهرجان الجنادرية الـ29، وتسلم وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى من يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في احتفاء رسمي بإنجازاته الثقافية الطويلة.
أدبه في عيون النقاد والدارسين
لم تغب مساهماته عن مؤلفات النقاد والباحثين، فقد ورد ذكره مبكرًا في كتاب 'شعراء نجد المعاصرون' للشيخ عبد الله بن إدريس.
كما أفرد له الدكتور حسن الهويمل مساحة وافية في 'اتجاهات الشعر المعاصر في نجد'.
وتناوله الدكتور عبد الرحمن العبيد في 'الأدب في الخليج العربي'، فيما نوّه الدكتور محمد الهدلق إلى ضرورة دراسات أكاديمية موسعة حول إرثه، معتبرًا أعماله خزانة فكرية تستحق التأمل والبحث من طلاب الدراسات العليا.
إرث لا يُنسى
برحيل سعد البواردي، طُويت صفحة مشرقة من صفحات الأدب السعودي، لكن آثاره الإبداعية باقية في الذاكرة الثقافية.
ترك وراءه أبناءه عبدالرحمن، نازك، فدوى، ووليد، الذين تلقوا التعازي من محبيه ومن الأوساط الثقافية، كما ترك مكتبة غنية من المقالات والقصائد والرؤى الفكرية التي ستظل منارات للأجيال القادمة.
رحم الله سعد البواردي، شاعر الوطن والضمير، وأيقونة الصدق في الكلمة والموقف.