اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
ضياء الدين بامخرمة *
غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة على ضفاف المتوسط، بل هي عنوان لمعاناة ممتدة عبر عقود من الاحتلال والحصار والحروب المتكررة، فمنذ سنوات طويلة، يعيش أهلها تحت وطأة قيود خانقة: معابر مغلقة، اقتصاد مشلول، وأفق مسدود، أطفال غزة يعرفون صوت الطائرات قبل أصوات الألعاب، ويترعرعون بين الأنقاض قبل أن يذوقوا طعم الطفولة.
لقد شكّل السابع من أكتوبر محطة فاصلة بهجوم من حركة حماس، ردّت عليه إسرائيل بآلة حرب مدمرة، أطلقت العنان لقصف متواصل لم يفرق بين بيت ومدرسة ومستشفى، آلاف القتلى والجرحى، عائلات شُردت من منازلها، وأحلام جرفت مع ركام المباني، كان الرد الإسرائيلي قاسيا، عشوائيا، يعكس عقلية عقاب جماعي تجاوزت كل حدود القانون الدولي والإنساني.
ومع تصاعد الكارثة الإنسانية، تكثفت محاولات المجتمع الدولي لكبح جماح هذا الجنون الحربي، بيانات ونداءات ومؤتمرات واجتماعات ووساطات تتابعت، لكن آلة القتل لم تتوقف إلا مؤخرا، وقد لعبت الولايات المتحدة الأميركية دورا محوريا في الدفع نحو التهدئة، لا سيما بعد لقاء الرئيس ترمب بقادة عدد من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، فيما أبدت حركة حماس قبولها بمبدأ وقف إطلاق النار في إطار المبادرة المطروحة، وهنا يبرز وقف إطلاق النار كخطوة بالغة الأهمية، ليس فقط لوقف نزيف الدم الفلسطيني، بل لفتح نافذة أمل تعيد للمدنيين شيئا من حقهم الطبيعي في الأمن والحياة.
لكن الحقيقة أن وقف إطلاق النار، رغم ضرورته العاجلة، ليس حلا نهائيا. فشعب فلسطين في غزة والضفة وكل مكان، بحاجة إلى ما هو أبعد من هدنة مؤقتة؛ إنه بحاجة إلى سلام شامل وعادل يعيد له كرامته، ويمنح أبناءه حق الحياة كبقية شعوب العالم.
إن ما بعد وقف إطلاق النار وتنفيذ بنود المبادرة، لا يمكن أن يكون إلا بداية لمسار أوسع، فالطريق إلى الإنقاذ يبدأ بالاعتراف بأن الأمن لا يتحقق بالقوة، وأن الاستقرار لا يُبنى على الركام، الحل يكمن في إنهاء الاحتلال، ورفع الحصار، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره في دولة مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية.
وفي هذا الإطار، جاء التصريح الأخير للرئيس الأميركي دونالد ترمب حين أكد بوضوح: «لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية»، وهو ما يعكس إدراكا متناميا بأن أي سلام حقيقي لا يمكن أن يقوم على فرض الأمر الواقع، بل على احترام القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني.
إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفقا للمقررات الدولية هو المدخل الحقيقي لإنهاء الصراع، وتجسيد حل الدولتين بوصفه الخيار الواقعي والوحيد لتحقيق سلام شامل وعادل، وليس ذلك لصالح الفلسطينيين وحدهم، بل أيضا لصالح الإسرائيليين أنفسهم، إذ إن السلام العادل يضمن لشعب إسرائيل أن يعيش في أمن واستقرار بعيدا عن دوامة الحروب المستمرة.
إن السلام العادل وحده كفيل بانتشال غزة من تحت الأنقاض، وإعادة الحياة لأهلها، وفتح أفق جديد للمنطقة برمتها نحو الأمن المشترك، والعيش بكرامة وسلام.