اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١ تشرين الأول ٢٠٢٥
فاضل العماني
تُمثّل حقبة ستينات القرن الماضي البداية الحقيقية لعصر النهضة العالمية الحديثة، أو ما بات يُعرف لاحقاً بـ'عصر الاتصالات والمعلومات وعصر العولمة'. وكما كانت الاختراعات والإنجازات العلمية الكبيرة التي تحققت خلال المسيرة الحضارية الإنسانية منذ عصر الإنسان الأول وحتى عصرنا الحالي تطبع بشخصيتها ومسمياتها في العصر الذي تنتمي إليه، كعصر البخار والمحرك والكهرباء، فإن عصرنا الراهن هو بلا شك عصر الاتصال والمعلومات الذي جعل من العالم، كل العالم، قرية صغيرة، بل مجرد شاشة لا يزيد حجمها على عدة بوصات. في مطلع هذه الفترة -أي ستينات القرن الماضي- المزدحمة بالاختراعات والاكتشافات والتطور العلمي المذهل، ولاسيما في مجال الاتصالات الرقمية، وصل الإنسان ولأول مرة إلى القمر لتبدأ مرحلة جديدة واستثنائية من عمر الإنسانية، حيث أرسلت الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، وأنشئت المحطات والمراكز الفضائية، وأصبحت الكرة الأرضية التي نعيش عليها تخضع للمراقبة والدراسة والتحليل والبحث والتصوير والاستكشاف، ما فتح المجال واسعاً لمعرفة الكثير من الأسرار والألغاز الكونية التي كانت بعيدة كل البعد عن الذهنية البشرية.
لقد ساهمت تلك المحطات والأقمار بربط كل أجزاء العالم بشبكة شاملة من الاتصالات، سواء عن طريق الاتصال الثابت أو الجوال أو المرئي أو عبر الإنترنت. لقد انتهت حقب المسافات البعيدة والأحجام الكبيرة، لقد انتهت كل تلك المعاناة بلا رجعة، وبدأ عصر الاتصال والتواصل بين الحضارات والشعوب والمجتمعات. تلك كانت البداية الحقيقية والفعلية التي مهدت لبزوغ نجم هذا العصر الذي أصبح يوصف عادة بعصر السرعة. نعم، هو عصر السرعة في كل شيء تقريباً، في تنامي الاختراعات والاكتشافات والإنجازات العلمية التي تكاد لا تتوقف أبداً، وهو كذلك في تسارع أحداثه وتطوراته وتداعياته، وهو أيضاً كذلك لصراعه المحموم مع إشكالية 'الثابت والمتحول'. ويبدو أن التحولات والتغيرات المتسارعة والمتلاحقة في كل العالم والتي طالت كل شيء تقريباً تُثبت في كل يوم أن الثابت الوحيد هو أن كل شيء يتغير وبشكل سريع جداً.
الآن، وبعد كل هذا السرد التاريخي لصعود نجم 'العولمة الكونية' التي أصابت -ومازالت- العالم بالهوس التقني والمعرفي والترفيهي: كيف تعاطت الأمم والشعوب والمجتمعات مع هذه الثورة الهائلة في وسائل الاتصال ووسائط التواصل ومنصات الإعلام الجديد؟ لقد وجدت دول العالم، سواء الصناعية أو المستهلِكة، ضالتها التي كانت تبحث عنها، حيث أنشأت المراكز والمعاهد البحثية لدراسة هذا التطور المذهل في تلك الوسائل والوسائط، وذلك للاستفادة القصوى من هذه التقنية الحديثة التي أدرك مُفكروها وعلماؤها منذ أول وهلة أنها السبيل الوحيد للتطور والتنمية بكل ألوانها وبمختلف مستوياتها في هذا العصر، كما بنت تلك الدول خططها واستراتيجياتها القريبة والبعيدة طبقاً لطبيعة ومعطيات ومصادر تلك الثورة العلمية الهائلة، ولكن دون أن تؤثر سلباً في خصوصيتها وظروفها وثقافتها.
في المقال القادم، سأحاول قدر الإمكان الجواب على هذا السؤال: كيف استفادت دول العالم العربي من هذه النهضة الهائلة في عالم التقنية والاتصالات والشبكات والإعلام الجديد؟