اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ٣١ أيار ٢٠٢٥
تغفو آلاف الفوهات البركانية بين صحارى المملكة العربية السعودية وجبالها، كأنها آثارٌ صامتة من ماضٍ جيولوجي ناري، لا يزال يثير فضول العلماء ويستقطب عشّاق المغامرة من السياح.
ويقدّر عدد هذه الفوهات بما يزيد عن 2,500 فوهة، توزعت عبر مساحات شاسعة من الأراضي السعودية، مشكلة ما يُعرف محليًا بـ'الحرّات' – وهي حقول من الحمم البركانية القديمة، يُعتقد أنها من بين الأضخم على مستوى العالم.
ووفقًا للمركز الوطني للمخاطر الجيولوجية بهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، فإن هذه الحقول تغطي ما يقارب 90 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 4.6% من مساحة المملكة.
بركان المدينة… وآخر ثورة في عام 1256م
آخر ثوران بركاني كبير شهدته المملكة وقع عام 1256م في 'حرة رهط'، حيث اندفعت الحمم البركانية لمسافة 23 كيلومترًا، متوقفة على بُعد 8.2 كيلومترات فقط من المسجد النبوي الشريف. ومنذ ذلك الحين، تنعم المملكة باستقرار جيولوجي نسبي، وإن كانت بعض المؤشرات الجيوفيزيائية تُظهر وجود صهارة قابلة للانفجار على أعماق متوسطة، ما يجعل بعض الحقول مصنّفة 'نشطة محتملة' دون وجود خطر وشيك، وفقا لـ'عرب نيوز'.
كنوز بركانية… ومعالم سياحية فريدة
المناظر الطبيعية في حقول الحمم السعودية تبدو كأنها من عالم آخر. فإلى جانب القمم البركانية السوداء والفوهات العميقة، تبرز معالم مدهشة مثل فوهة 'الوعبة' بالقرب من الطائف، والتي يبلغ عمقها 250 مترًا، وعرضها أكثر من كيلومترين.
وفي منطقة عسير، يقف 'جبل فروة' كأعلى قمة بركانية في المملكة بارتفاع يزيد عن 3,000 متر فوق سطح البحر. أما 'جبل القدر' في حرة خيبر، فقد تدفقت حممه لمسافة تفوق 50 كيلومترًا، بينما يُعرف 'جبل الأبيض' بلونه الفاتح وتكويناته الغريبة، ما يضفي عليه طابعًا جيولوجيًا فريدًا.
سياحة البراكين… من الخطر إلى الفرصة
في الوقت الذي تنام فيه هذه 'العمالقة الصامتة'، بدأت المملكة في تحويل هذا الإرث الطبيعي من مصدر قلق إلى وجهة جذب، عبر الاستثمار المتزايد في السياحة الجيولوجية. وقال تركي عصام السهلي، المدير العام للمركز الوطني للمخاطر الجيولوجية: 'هناك تعاون بين وزارة السياحة وهيئة المساحة الجيولوجية لتطوير هذه المواقع والحفاظ عليها، في إطار رؤية شاملة تعزز الوعي العام وتدمج العلم بالتجربة السياحية'.
وتشمل جهود الهيئة تجهيز خرائط وتقارير علمية، وتنفيذ برامج توعوية ومعارض، إلى جانب مراقبة النشاط الزلزالي عبر شبكة رصد حديثة قادرة على التقاط أدق التغيرات تحت سطح الأرض. وفي حال حدوث أي نشاط مستقبلي، فإن تأثيره البيئي قد يمتد إلى تغيرات مناخية مؤقتة أو تساقط أمطار حمضية، نتيجة لانبعاث الغازات البركانية إلى طبقات الجو العليا.
البراكين السعودية… إرث علمي وتجربة استثنائية
رغم خمولها، تظل البراكين السعودية مصدرًا غنيًا بالمعرفة، ومنجمًا سياحيًا غير مستغل بالكامل. إنها نافذة على قوى الأرض القديمة، وتجربة فريدة للمغامرين والمهتمين بالجغرافيا والطبيعة.
'هذه الحقول ليست مجرد صخور صامتة، بل هي سجلٌ حيٌّ لكوكبنا، وفرصة لاكتشاف جانب غير مألوف من المملكة'، يقول السهلي. ومع التوسع في استثمارات الجيولوجيا السياحية، يبدو أن مستقبل هذه الحقول سيكون أكثر توهجًا من ماضيها الناري.