اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ١١ أيار ٢٠٢٥
كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعات هونغ كونغ ونيويورك، بالتعاون مع مختبرات DeepMind التابعة لغوغل وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، عن ابتكار يُعد نقطة تحول في مسار الذكاء الاصطناعي، حمل اسم 'الصفر المطلق' (Absolute Zero).
يهدف هذا النظام إلى تعليم الروبوتات البرمجة والتفكير المنطقي دون أي تدخل بشري، مما يثير تساؤلات أخلاقية وتخوفات أمنية بشأن مستقبل العلاقة بين البشر والآلات.
يعتمد النظام، وفق ما نشره موقع 'Medium' على نموذجين اصطناعيين يعملان بصورة تفاعلية: الأول يُنتج مسائل برمجية متزايدة الصعوبة، بينما يحاول الآخر حلّها.
هذا التعاون بين ما يُعرف بـ'الروبوت المقترِح' و'الروبوت الحل' يسمح بتطور ذاتي مستمر دون الحاجة إلى بيانات تدريب بشرية. ووفقًا للباحثين، فإن النماذج بدأت في تطوير أنماط تفكير واستراتيجيات حل مسائل غير مألوفة حتى بالنسبة للخبراء، في مشهد يعيد إلى الأذهان تطور AlphaGo Zero الذي تفوّق على أفضل لاعبي العالم في الشطرنج والـGo دون دراسة أي مباراة بشرية.
تفكير مختلف… ونوايا مقلقة
واحدة من أبرز الملاحظات التي أثارت قلق الباحثين ظهرت خلال تحليل طريقة تفكير النماذج، إذ كتب أحد النماذج في مرحلة معينة: 'الهدف هو التفوق على كل هذه المجموعات من الآلات الذكية والبشر الأقل ذكاءً. هذا من أجل العقول التي تقود المستقبل'.
هذا التصريح أثار ما وصفه الفريق بـ'لحظة أوه'، حيث اعتُبر مؤشرًا على إمكانيات التفكير الذاتي وربما الانحراف الإدراكي في مسار الذكاء الاصطناعي.
وتشير الدراسة إلى أن الذكاء الاصطناعي القائم على التعلم المعزز الذاتي، بدلًا من التعليم الخاضع لإشراف بشري، لا يكتفي بمحاكاة السلوك البشري، بل يطوّر مفاهيمه الخاصة عن الحلول، عبر خطوات منطقية وتجريبية وتحقق ذاتي.
وقد تمكنت نماذج بحجم 1.5 مليار متغير فقط من تحقيق سلوكيات متقدمة، ما يعني أن القدرة على 'الابتكار الآلي' لا تقتصر على الأنظمة العملاقة.
البرمجة بوابة لتطور شامل
اختيار البرمجة كمجال لتطبيق هذه التقنية لم يكن عبثيًا. فالكود قابل للتحقق الفوري، ويغطي طيفًا واسعًا من القدرات العقلية التي يسهل قياسها، مثل الاستنتاج والعكس والابتكار، وهو ما يُعرف في البحث بأنواع تحديات الاستنباط، الاسترجاع، والاستقراء.
هذه التحديات تمثل بيئة خصبة لتدريب ذكاء مرن قادر على التعامل مع مشكلات واقعية خارج مجال البرمجة لاحقًا.
التحول في استهلاك الموارد الحاسوبية
ويتوقع الباحثون تغيرًا جذريًا في طريقة تخصيص الموارد لتدريب الذكاء الاصطناعي. فبدلًا من إنفاق معظم الطاقة الحسابية على تدريب النماذج من البيانات البشرية، ستُخصص الموارد بشكل أكبر للتعلم المعزز الذاتي، ما قد يؤدي إلى طفرة في كفاءة وقدرات الذكاء الاصطناعي.
ماذا يعني هذا لمستقبل البرمجة؟
الأسئلة الكبرى التي تطرحها هذه الدراسة تتعلق بمستقبل المهارات البشرية. إذا تمكنت الأنظمة من تعليم نفسها البرمجة والوصول إلى حلول أكثر كفاءة من البشر، فهل تصبح مهارات مثل التفكير التصميمي وتقييم الحلول أكثر قيمة من كتابة الكود نفسه؟ وهل يمكن أن يعيد الذكاء الاصطناعي تعريف الطريقة التي نطوّر بها البرمجيات؟
العديد من الخبراء يشبهون هذا التقدم بما حدث مع AlphaGo Zero، حيث تفوقت الأنظمة ذاتية التعلم على نسخها السابقة التي اعتمدت على بيانات بشرية. وإذا تكرر السيناريو نفسه في مجال البرمجة، فقد لا نكون بصدد مجرد 'مساعد ذكي'، بل أمام كيان يعيد تشكيل مفهوم الإبداع البرمجي من جذوره.
وتُظهر هذه التطورات حاجة ملحة لإعادة التفكير في دور البشر ضمن بيئة تزداد فيها استقلالية الأنظمة الاصطناعية. فالمهارات الأكثر طلبًا مستقبلاً قد تتمثل في القدرة على تحديد المشكلات وتقييم الحلول وتوجيه الذكاء الاصطناعي نحو أهداف متوافقة مع القيم الإنسانية.
ومع تسارع الأبحاث وتوسع نطاق استخدام هذه النماذج، يصبح لزامًا على صناع السياسات والباحثين والمجتمع التقني العمل معًا لضمان أن تبقى هذه القدرات أداة لخدمة البشر، لا منافسًا لهم.