اخبار السعودية
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٣١ أيار ٢٠٢٥
تدرك طهران أن علاقتها الجيدة بالرياض تعمل على إضعاف الدور الإسرائيلي تجاهها
قيل شرق أوسط جديد يظهر حينما تحركت إسرائيل في أكثر من ميدان داخل المنطقة رداً على 'طوفان الأقصى'، لكن هل يمكن القول إن شرق أوسط جديداً آخر يظهر على النقيض مما ترسم ملامحه إسرائيل منذ عام 2023؟ شرق أوسط جديد تبدأ ملامحه بالتشكل من منطقة الخليج العربي بين إيران وجيرانها؟
أهم أسئلة الشرق الأوسط الآخر، هل تتغير إيران؟ هل تضفي السعودية الشرعية على الاتفاق الأميركي- الإيراني؟ هل نحن بصدد شرق أوسط جديد مغاير للشرق الأوسط الذي تبغيه إسرائيل؟ أسئلة تطرحها تغيرات عدة تشهدها المنطقة حالياً. ليس من المبالغة القول إن اتفاق المصالحة الإيراني- السعودي أسهم في جزء كبير في تغيير المشهد على نحو يؤسس لاستقرار الأمن الإقليمي.
والاتفاق الذي تم برعاية صينية وحرص الطرفان السعودي والإيراني على التوصل إليه لتحقيق مصالحهما الاقتصادية والسياسية، يمكن القول إنه الآن ركيزة في أمن واستقرار المنطقة، بل دفعها نحو وضع أطر جديدة تسهم في إيجاد آليات لحل مشكلاتها. فالاتفاق بين الرياض وطهران أسهم في دعم موقف إيران، بحيث كسر عنها العزلة الإقليمية من جهة، ومن جهة أخرى هو درع حماية في مواجهة السياسة الأميركية تجاه إيران، ولا سيما خلال عهد دونالد ترمب، والتي كان يمكن أن تدعمها إسرائيل في مواجهة إيران لو قرر ترمب التعامل مع إيران باعتبارها خطراً على الأمن الإقليمي ودول المنطقة. ومن ثم كان للمصالحة دور في مساندة دول الخليج، ولا سيما السعودية، لتحديد أجندة واشنطن الإقليمية تجاه طهران، بما يضمن تحقيق أمن الخليج العربي للجميع، إيران والدول الخليجية.
إيران تعي ذلك جيداً، مما نراه في تغير الخطاب السياسي الإيراني، فبينما منذ أقل من خمسة أعوام تحدث القادة الإيرانيون عن نفوذ طهران ووصوله إلى أربع دول عربية، نجد أن وزير الخارجية الإيراني الحالي عباس عراقجي يتحدث بلغة ومفردات جديدة تبتعد من التأطير لحال الهيمنة الإقليمية التي تنشدها إيران منذ عقود عدة وتصرفت على أساسها منذ عام 2011، إذ إن دولاً عربية عدة شهدت اضطرابات وتظاهرات شتى هددت استقرار تلك الدول.
ونجد أن عراقجي استخدم لغة مختلفة تماماً، فقال خلال منتدى طهران للحوار الذي عقد الشهر الجاري 'لا تتصور إيران نفسها قوة مهيمنة، بل دولة قوية بين جيران أقوياء، منسجمة في نسيج إقليمي مرن ومترابط'، وهذا تطور مهم لو عكس بالفعل تغيراً في العقلية الإيرانية وليس مجرد تغيير تكتيكي يستمر في أحسن الأحوال خلال الأربعة أعوام المقبلة من ولاية دونالد ترمب.
التغيير في لغة الخطاب السياسي الإيراني راجع بصورة رئيسة إلى التغيرات الاستراتيجية التي شهدتها المنطقة وكان نصيب إيران منها ضعف نفوذها الإقليمي عبر تآكل قوة أذرعها الإقليمية بفعل تداعيات عملية 'طوفان الأقصى' التي استغلتها إسرائيل لتغيير ملامح الشرق الأوسط عبر استهداف إيران ومعها غزة ولبنان وسوريا.
وكان لمجيء ترمب في تلك المرحلة دور مهم للتموضع مع الوضع الإقليمي الجديد، وما منح إيران دفعة وقوة أيضاً كان تحسن العلاقات مع دول الخليج الذي أثرت فيه بصورة كبيرة السعودية، فمنحت نوعاً من الشرعية لدبلوماسية الجوار الإيراني، وكان تصريح عراقجي الأخير منذ ساعات قليلة 'نحن جادون تماماً في شأن العلاقات الإيرانية- السعودية، سياسة الجوار التي بدأناها بالفعل، سياسة بالغة الأهمية، وللسعودية مكانة بالغة الأهمية في هذه السياسة'.
وكان للدبلوماسية السعودية النشطة دور في هذا التغيير وكانت الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين وأبرزها خصوصاً زيارة وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان آل سعود إلى طهران ولقاؤه المرشد الإيراني، كذلك دور الرياض في دعم المحادثات الإيرانية- الأميركية للتوصل إلى اتفاق، فلا شك في أن دول الخليج العربية تسعى بشدة إلى إتمام اتفاق بين إيران وواشنطن وتجنيب المنطقة تفجر بؤر جديدة لصراعات أو حروب، في وقت تحاول إسرائيل جر واشنطن لمواجهة ضد إيران.
وهنا يمكن القول إن عامل الحماية المؤثر في استراتيجية واشنطن تجاه إيران هو تحسن العلاقات بين إيران ودول الخليج، فمن جهة وإلى جانب الخروج من العزلة الإقليمية تروج طهران أنها ليست مهدداً لأمن جيرانها، ومن جهة أخرى تضمن أن قوة العلاقات السعودية- الأميركية ستقوم بدور في جعل واشنطن تصبر أكثر خلال محادثاتها مع طهران للتوصل إلى اتفاق.
وتجلى خلال زيارة ترمب الخارجية الأولى لمنطقة الخليج الدور السعودي في دعم الاستقرار بمنطقة الخليج بما يعني أن السعودية لاعب إقليمي رئيس لا غنى عنه لإيران لإضفاء شرعية على محادثات واشنطن- إيران والاتفاق الذي يرغب جميع الأطراف في إتمامه.
وداخل إيران هناك إدراك أن السعودية تضطلع بدور غير مباشر في المحادثات الجارية مع واشنطن وتدعمها، بل كانت هناك تقارير تتحدث عن عرض سعودي لاستضافة المحادثات قبل بدء جولاتها، لكن في كل الأحوال الدعم السعودي للمحادثات يضفي شرعية وقبولاً إقليمياً على الاتفاق.
وتدرك إيران أن علاقتها الجيدة بالسعودية تعمل على إضعاف الدور الإسرائيلي تجاهها، إذ إن تل أبيب ترفض مبدأ المفاوضات وتسعى إلى إعادة إيران لمرمى الأهداف العسكرية الإسرائيلية. وإن الشرعية التي تضفيها دبلوماسية السعودية على إيران تمارَس في أكثر من اتجاه، بحيث تعمل الرياض أيضاً على إقناع طهران بممارسة دور أكثر هدوءاً، تجنباً لرد الفعل الأميركي والإسرائيلي.
لكن الأهم ما بعد التوصل إلى اتفاق أن تستفيد الأطراف الإقليمية جميعها من التأسيس لأطر يمكن من خلالها التفاهم على آليات لحل الخلافات والنزاعات، وأن يجري التأسيس لمفهوم جديد تستقر عليه المنطقة، وهو احترام مصالح الدول المجاورة وعدم إثارة مكامن التهديد، ولأن الاتفاق السعودي- الإيراني أوضح أنه من الممكن التفاهم السياسي بين دول الإقليم المتنازعة على أساس قاعدة التعاون المشترك لتحقيق أهداف الجميع وليس بمنطق المباريات الصفرية، لذا يمكن البحث عن آليات أخرى لتأسيس التعاون الإقليمي للاستفادة المشتركة من موارد الإقليم.
الفرصة مهيأة لإيران الآن للاستفادة من الطفرات الاقتصادية التي تحققها دول الخليج العربي عبر اتخاذ خطوات من جانبها لبناء الثقة.