اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
الرياض - الثقافي
المكان في الأعمال الإبداعية أساس فني وجوهر من جواهر العمل الجيد الذي يمتع ويفيد، وأحد أركانه الذي يحدد جودته أو رداءته، فهو لا يقف عند التحديد الجغرافي فقط وإنما يتجاوزه إلى العلاقة النفسية والتاريخية التي يصوغها الكاتب بتعيين أماكن في عمله الإبداعي دون أخرى وجعلها محوراً للسرد والحكي أو لأفكار تتناسل وتتوالج داخل العمل نفسه، ومهما قلنا فالمكان ليس شيئاً أو معطى ثابتاً وإنما هو نتاج تفاعل ذات المؤلف مع رقعة جغرافية، فكم من منزل يبدو لنا بسيطاً بئيساً ولكنه عند البعض قصر سعادة وحب نظراً لما يحمله من ذكريات طفولة أو مغامرة مراهقة أو غيرهما، ولولا ذاك لما بكى الشاعر العربي على أطلاله، أي بقايا حجارة وأعمدة ورسوم فقط.
انطلاقاً من هذا فالأمكنة مشحونة بعلامات عاطفية وتاريخية يصعب فكها عنها، أو لك أن تقول إنه جملة من العلامات السميائية التي يجدر بالناقد أو الباحث فكها لإبراز رسالتها عند الكاتب الذي يوظفها بوعي أو بغير وعي، ولأن أدب الرحلات من الآداب التي توظف الأمكنة بمختلف ثنائياتها، مبتغية في ذلك الجمع بين المتعة والمعرفة وتقديمها للقارئ في صورة سردية مطولة أو مختصرة كما نجد عند الكاتب عبدالله البطيان في رحلته 'عشرة أيام بين كازابلانكا والرباط' والذي صدر في كتاب مؤخراً، جسد رحلته التي قضاها بين مكانين رئيسين وهما: مدينة الرباط العاصمة، حيث المعرض الدولي للكتاب في دورته الثلاثين، ومدينة الدار البيضاء، محل إقامته بفندق سنغفور، خلال عشرة أيام تجاذبه المكانان، مكان العمل ومكان الاستقرار لتتناسل منهما أمكنة عديدة برزت في عمله لا كفضاءات جامدة اعتيادية وإنما فضاءات مغربية بعيون سعودية إحسائية، ناقدة تتفاعل مع الجزئيات وتأبى إلا أن تسجل الأحداث والتفاصيل المنبثقة من هذه الأمكنة، فما هي يا ترى الأمكنة التي وظفها الكاتب في نصه الرحلي وما رمزيتها ودلالته؟
يمكننا بعد اطلاع على عمل 'عشرة أيام بين كازابلانكا والرباط' والذي جاء ضمن مشروع شخصي للكاتب وثق فيه رحلاته إلى عدة مدن عالمية ونذكر هنا رحلاته الآتية: المكسيك، مرسيليا، باريس، الصين، وهي سرد لرحلاته العلمية أو الوظيفية أو غيرها، ويمكننا تصنيف أمكنة رحلته محل الدراسة إلى ثنائيات ليسهل تناولها وإبراز جماليتها ورمزيتها، وهي:
ثنائية الانطلاق والوصول
ثنائية العمل والراحة.
ثنائية المفتوح والمغلق.
إن هذه الثنائيات المكانية كفيلة بإعطاء القارئ صورة عن البعد الجمالي والقيمي لرحلة عبدالله البطيان 'عشرة أيام بين كازابلانكا والرباط'.