اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
د. بدر بن سعود
الأحكام الإيجارية ستكسر الممارسات الاحتكارية والتسعير غير المقنن، وستعيد معدلات التضخم لمستويات مقبولة، وتحول دون استبداد الملاك بالمستأجرين، وستمكنهم من التخطيط المالي على المستوى المتوسط بدون مفاجآت، وبالأخص في العقارات التجارية، لأن ما سبق ساهم في إخراج أعداد كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة من مقراتها لعجزها عن دفع الإيجارات المبالغ فيها..
التوجيهات التي أصدرها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أواخر سبتمبر 2025، فيما يخص أحكام العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر، داخل النطاق العمراني لمدينة الرياض، والتي نصت على تثبيت القيمة الإيجارية للعقار السكني والتجاري لمدة خمسة أعوام، اعتبارا من تاريخ صدورها، جاءت نتيجة لدراسة متأنية استمرت طوال 180 يوماً، أو ما يعادل ستة أشهر، ولمن لا يعرف فقد ارتفعت أسعار العقار في العاصمة السعودية، وتحديدا ما بين عامي 2005 و2023، قرابة ستة عشر ضعفا، أو من 240 ريالا للمتر في المتوسط إلى 4200 ريال، أو ما يتراوح بين 64 دولارا إلى 1120 دولارا، وبعض العقاريين كانوا يحيلون الزيادة في أسعار عقارات الرياض إلى الطلب المرتفع عليها، والواقع أنه كان يتم بشكل عشوائي وبلا مرجعية واضحة، ومعدل التغير في الأسعار العقارية بالعاصمة السعودية يعتبر الأعلى مقارنة بكل مدن المملكة، والدليل أنه سجل ما نسبته 10,7% في الربع الأول من العام الجاري، وجاءت بعده تبوك وحائل والقصيم، ولا وجود في المقدمة لمدن كـ جدة والدمام أو مكة والمدينة، وبالتالي فالمشكلة حاضرة بشكل أكبر في الوسط والشمال السعودي.
بالإضافة إلى برنامج المقرات الإقليمية، الذي ساهم في زيادة الطلب على المساحات المكتبية والسكنية في الرياض، واستقطب حوالي 570 شركة عالمية مؤخراً، ومعها دخول الإيجارات طويلة الأجل، ولأول مرة في السوق العقاري المحلي، والأحكام الإيجارية الجديدة توفر بالتأكيد الثبات والشفافية، وأتصور أنها استثمرت في التجارب البريطانية والفرنسية والهولندية، وذلك فيما يتعلق بالزيادة الإيجارية، فالأولى ربطتها بالتضخم، وأقامت مجالس محلية لإدارة نزاعاتها، والثانية اعتمدت نظام الإيجار المرجعي، وهو يضع سقفاً لا يمكن تجاوزه في المناطق التي عليها طلب مرتفع، والثالثة حددت زيادة سنوية قدرها واحد في المئة مضافا إليها نسبة التضخم في العام السابق على الإيجار، وقطاع العقار السعودي يوصف في الوقت الحالي أنه واحد من أهم محركات الاقتصاد غير النفطي في المملكة.
متوسط إيجارات العقار في الرياض معقول نسبياً، ولم يقفز لأرقام مدن مثل نيويورك أو هونغ كونغ أو لندن، ولا حتى شيكاغو ولوكسمبورغ والدوحة، وفيها يتراوح المتوسط ما بين 3800 دولار و2200 دولار، طبقاً لإحصاءات 2025، وتأتي الأحكام الإيجارية لتثبيت الوضع الحالي، ومدة الخمسة أعوام ليست اعتباطية، لأنه في هذه الفترة، ستقوم الشركة الوطنية للإسكان بضخ ما يصل لـ15 ألف وحدة سكنية كل عام، وبإجمالي 60 ألف وحدة، وستكون ذروة التسليم في عامي 2027 و2028، والهيئة الملكية لمدينة الرياض ستقدم في المتوسط 25 ألف أرض مطورة سنوياً، وشركة روشن العقارية ستقوم من خلال حي سدرة بضخ عشرين ألف وحدة سكنية، والأهم رفع الإيقاف عن 18 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض، وجاهزيتها للتطوير، وتفعيل نظام التملك لغير السعوديين، ورفع رسوم الأراضي البيضاء إلى النسبة القصوى، ما يعني زيادة المعروض العقاري وتراجع الأسعار وليس ارتفاعها، والأحكام تعزز من حرية السوق العقاري، لأنها لم تتعرض إلى العقارات التي لم يسبق تأجيرها، وتركت تحديد أجرتها إلى اتفاق المؤجر والمستأجر.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالأحكام الإيجارية ستكسر الممارسات الاحتكارية، والتسعير غير المقنن، وستعيد معدلات التضخم في القطاع لمستويات مقبولة، وتحول دون استبداد الملاك بالمستأجرين، وستمكنهم من التخطيط المالي على المستوى المتوسط بدون مفاجآت، وبالأخص في العقارات التجارية، لأن ما سبق ساهم في إخراج أعداد كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة من مقراتها، وخصوصا في قطاع التجزئة، لعجزها عن دفع الإيجارات المبالغ فيها.
استقطاع جزء كبير من الدخل للإيجار، قبل الأحكام الضابطة، تسبب في تراجع القدرة الشرائية عند أهل الرياض، وخفض من إنفاقهم الاستهلاكي، وزاد من الضغوط المعيشية والمالية عليهم، وكلها أمور ستؤثر في النهاية على الاقتصاد الوطني بالكامل، وفي الأعوام الخمسة القادمة سترتفع أعداد سكان الرياض، لانها ستتحول إلى ورشة عمل ضخمة لا تهدأ، والأحكام الإيجارية استبقت ما سيحدث من ارتفاعات في أسعار العقار، وبما يمنع التجاوزات والفوضى المحتملة ويحفظ حقوق المواطنين والمستثمرين السعوديين والأجانب.
يبقى أن الغرامات على مخالفات الأحكام الإيجارية تصل إلى ما قيمته 12 شهراً من أجرة العقار، مع تعويض المتضرر من المخالفة، وإعطاء المبلغين عن المخالفين مكافأة تحفيزية قدرها 20% من قيمة الغرامة، وإذا تم آخر عقد إيجار للعقار في 2024، فإنه يعامل وكأنه جديد لم يؤجر، ولكني لست مرتاحا لمسألة إخلاء العقار في حالة وجود عيوب هيكلية فيه، وأعتقد أنه سيفتح بابا واسعا للتلاعب وتقديم العقار وكأنه جديد لاحقاً، والتقرير الفني سيحضره ويتحكم فيه المؤجر، ولا يغير فيه اعتماده من جهات حكومية، لأنها ستصادق عليه بحسب محتواه، والأنسب صدوره من خبرة فنية، تعمل في جهاز حكومي مستقل ومحايد، واختصار الإجراءين في إجراء واحد.