اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ٢٧ تموز ٢٠٢٥
في خضم النقاش العالمي حول إمكانات الذكاء الاصطناعي ومخاطره، تعود إلى الواجهة فكرة ثورية عمرها 80 عامًا، قد تحمل مفتاح تحقيق التوازن بين الإبداع البشري والقدرات الآلية.
هذه الفكرة تجسدت في آلة تُدعى 'ميميكس' (Memex)، ابتكرها نظريًا المهندس الأمريكي فانيفار بوش، الذي رأى فيها حلًا لـ'كابوس المعلومات' في حقبة الأربعينيات.
كان بوش، الذي شغل مناصب رفيعة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وأدار جهود 6000 عالم خلال الحرب العالمية الثانية، يرى أن 'جبال الأبحاث' المتراكمة تعيق تقدم العلم. فكانت عملية البحث آنذاك مهمة شاقة تعتمد على البحث اليدوي في فهارس المكتبات الورقية، مما يبطئ وتيرة الإبداع.
ولتجاوز هذه العقبة، طرح بوش في مقالته الشهيرة 'As We May Think' عام 1945، تصورًا لجهاز 'ميميكس'. وهو مكتب شخصي يدمج شاشات عرض وتقنية 'الميكروفيلم' لتخزين كم هائل من الوثائق. لكن الابتكار الأهم كان 'الفهرسة الترابطية' (associative indexing)، وهي القدرة على ربط أي مستند بآخر عبر روابط مباشرة، مما يسمح للمستخدم بالقفز بين الأفكار وإنشاء مسارات بحث خاصة به.
وبشكل مذهل، تنبأ بوش بظهور 'موسوعات جاهزة بشبكة من المسارات الترابطية'، في وصف دقيق لما نعرفه اليوم بـ 'ويكيبيديا'.
ورغم أن فكرة الـ 'ميميكس' لم تتحقق بالكامل في شكلها الأصلي، إلا أنها ألهمت بشكل مباشر مخترعين مثل تيد نيلسون ودوغلاس إنجلبارت لتطوير أنظمة 'النص الفائق' (hypertext)، التي أصبحت لاحقًا حجر الزاوية الذي بُني عليه الإنترنت.
لكن المفارقة تكمن في أن بوش نفسه عاد عام 1970 ليعرب عن خيبة أمله، فقد رأى أن التكنولوجيا انحرفت عن رؤيته الفلسفية. وحذر قائلًا: 'في عام 1945، حلمت بآلات تفكر معنا. الآن، أرى آلات تفكر بدلًا منا، أو الأسوأ، تتحكم فينا'.
وهذا التحذير يبدو اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى. فمع تغلغل الذكاء الاصطناعي في كل تفاصيل حياتنا، يطرح السؤال نفسه مجددًا: هل هذه التقنيات تعزز مهاراتنا أم تجعلنا أكثر كسلًا وتؤدي إلى تآكل قدراتنا الإبداعية؟
إن الدرس المستفاد من رؤية بوش هو أن الحل التقني لا يكفي وحده؛ بل يجب أن تظل التكنولوجيا متمحورة حول الإنسان ومبنية على رؤية فلسفية واضحة، وهو التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم في عصر الأتمتة الفكرية.