اخبار السعودية
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
ما الذي يجعل مؤتمر نيويورك مختلفاً عن المبادرات السابقة؟
يعتبر أول تحالف دولي فعلي لتنفيذ حل الدولتين بخطط ملموسة.
ما مدى جدية التحرك الخليجي في هذا المؤتمر؟
التحرك مؤسساتي وموحد، يتجاوز الدعم التقليدي إلى إطلاق تحالف سياسي دولي لدفع التنفيذ.
في تحرك دبلوماسي استثنائي، أعادت المملكة العربية السعودية إحياء المسار السياسي لحل عادل للقضية الفلسطينية، بإطلاق مؤتمر دولي رفيع المستوى في نيويورك بالشراكة مع فرنسا، بهدف إحياء حل الدولتين ووضعه في مسار التنفيذ لا مجرد التفاوض.
المؤتمر الذي عُقد في 28 و29 يوليو 2025 جاء بمشاركة دول الخليج وعشرات الدول والمنظمات الدولية، يمثل أول محاولة جماعية منظمة لتحويل التوافق السياسي حول الدولة الفلسطينية إلى خارطة طريق واضحة، وقد استبقه تنسيق خليجي وعربي ودولي غير مسبوق، وسط تصعيد الحرب في قطاع غزة وانسداد سياسي طال أمده.
ورغم غياب الولايات المتحدة و'إسرائيل' عن المؤتمر، فإن التلاقي الخليجي العربي الأوروبي يشكل لحظة فارقة في تاريخ الصراع، حيث تنتقل القضية الفلسطينية من 'إدارة الأزمة' إلى 'معالجة الجذور'.
دور سعودي محوري
خلال كلمته بالمؤتمر، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن 'الاعتراف بالدولة الفلسطينية كان واجباً منذ زمن'، مشيراً إلى أن الاستقرار الإقليمي يبدأ من منح الفلسطينيين حقوقهم الكاملة.
كما رفض فيصل بن فرحان أي حديث عن التطبيع في ظل ما وصفه بـ'القتل والتدمير في غزة'، داعياً إلى تنفيذ مبادرة السلام العربية لعام 2002، وتحويل الدعم السياسي إلى تحالف دولي فعّال لتطبيق حل الدولتين.
وفي خطوة عملية، أعلن عن تنسيق سعودي فرنسي لتحويل 300 مليون دولار من البنك الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني، بما يعزز صمود الفلسطينيين في وجه الحصار والانهيار الإنساني في القطاع.
ويأتي هذا الموقف ضمن سياسة سعودية متنامية تعتمد على الدفع نحو تسوية عادلة وشاملة، تتجاوز التصريحات الرمزية إلى إجراءات ملموسة، في ظل تنامي الاعتراف الدولي بأن غياب الدولة الفلسطينية يمثل خللاً جوهرياً في بنية الاستقرار الإقليمي.
إجماع خليجي
التحرك السعودي في المؤتمر لم يكن فردياً، بل جاء ضمن تنسيق مؤسساتي عبّرت عنه مشاركة وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في اجتماع تنسيقي مشترك، أكدوا خلاله دعمهم لمبادرة السعودية بتأسيس تحالف دولي لتنفيذ حل الدولتين.
وخلال المؤتمر، صرّح الأمين العام للمجلس جاسم البديوي، أن الاعتراف بفلسطين ليس فقط أولوية سياسية، بل مسؤولية أخلاقية ضرورية لإطلاق مفاوضات حقيقية.
كما أشاد البديوي بدور المملكة في إعادة تركيز الجهود الدولية على جوهر الصراع، معتبراً أن بقاء أحد طرفي النزاع دون اعتراف دولي 'يفرغ أي عملية سياسية من مضمونها'.
أما وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، فقد أكد أن 'حل الدولتين هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق'، داعياً إلى كسر حالة الجمود عبر بناء الثقة ووقف الحصار والتهجير القسري، ومندداً باستخدام الغذاء والدواء كأدوات حرب ضد المدنيين.
وشددت الكويت من جانبها، على أهمية تنسيق الجهود الدولية لدفع عجلة التسوية، حيث عقد وزير خارجيتها عبدالله اليحيا سلسلة لقاءات مع مسؤولين أمميين ودوليين لإعادة وضع القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام الدولي.
وقال خليفة شاهين المرروزير دولة الإماراتي في كلمة له خلال المؤتمر إن 'العالم يشهد اليوم زخماً متزايداً حول ضرورة حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، كما أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتعاظم يوماً بعد يوم'.
كما أشار إلى أن الحقائق على الأرض تفرض علينا وقفة صـريحة، فبعد 21 شهراً من بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حان الوقت للانتقال من محاولات احتواء الصراع إلى معالجة جذوره.
زخم دولي
وتزامن المؤتمر مع تحركات أوروبية بارزة، في مقدمتها إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 24 يوليو 2025 عزمه الاعتراف بدولة فلسطين، في خطوة وُصفت بأنها 'مطلب سياسي وأخلاقي'، وسط دعوات لدول الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى هذا التوجه.
كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الثلاثاء 29 يوليو 2025، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، ما لم تتخذ 'إسرائيل' خطوات حقيقية للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، والالتزام بحل الدولتين، ووقف ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو ما لاقى ترحيباً خليجياً.
بدوره دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى أن يكون المؤتمر 'نقطة تحول حاسمة' وفرصة نادرة لتحقيق تقدم لا رجعة فيه، وليس مجرد 'تمرين آخر في الخطاب حسن النية'.
وشدد الأمين العام على أن حل الدولتين هو الإطار الوحيد القائم على القانون الدولي، والذي ينص على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب على أساس خطوط ما قبل عام 1967 والقدس عاصمة لهما، مشيرا إلى أن استمرار الصراع ليس حتميا وحله ممكن إذا توفرت 'الإرادة السياسية والقيادة الشجاعة'.
وعقب المؤتمر، أعلنوزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الأربعاء 30 يوليو، أن بلادهو14 دولة أخرى دعت إلى الاعتراف بدولةفلسطين.
وكتب بارو عبر 'اكس': 'في نيويورك مع 14 دولة أخرى، توجه فرنسا نداء جماعياً: نعبر عن عزمناالاعتراف بدولة فلسطينوندعو الذين لم يفعلوا ذلك حتى الآن إلى الانضمام إلينا'، غداة إعلان نيويورك الذي أطلق في ختام مؤتمر وزاري في الأمم المتحدة حول حل الدولتين فيالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني'.
ووقع على النداء الى جانبفرنسا، كندا وأستراليا، وأندوراوفنلنداوأيسلنداوأيرلنداولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا، والنرويجوالبرتغال وسان مارينووسلوفينياوإسبانيا.
وكان 'إعلان نيويورك' بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتطبيقحل الدولتين، شدد على ضرورة إنهاء حكم حركة 'حماس'، وتسليم أسلحتها إلىالسلطة الفلسطينية.
كما أكد على 'رفض أي إجراءات تؤدي إلى تغييرات إقليمية أو ديموغرافية بما في ذلك التهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين'.
رؤية مشتركة
وإذا استمر هذا الزخم فإن مؤتمر حل الدولتين سيشكّل نقطة انطلاق لتحول استراتيجي يضع حداً لأطول نزاع سياسي في العصر الحديث، ويعيد لفلسطين مكانتها على الخارطة السياسية والقانونية للعالم.
وانطلقت أعمال 8 لجان دولية ضمن المؤتمر، تعمل على بلورة مكونات الدولة الفلسطينية المنشودة، تشمل الاقتصاد والأمن وإعادة الإعمار والمؤسسات والقانون الدولي، بمشاركة فاعلة من دول مثل النرويج، إندونيسيا، الأردن، إسبانيا، مصر، بريطانيا، وغيرها.
وتسعى هذه اللجان إلى صياغة خطط تنفيذية واقعية تؤسس لدولة فلسطينية موحدة ذات سيادة على حدود 1967، قابلة للحياة سياسياً واقتصادياً، وفق جدول زمني واضح.
يقول الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي إن 'هناك رؤية مشتركة تبلورت بين دول عربية وأوروبية حول قيام الدولة الفلسطينية، حيث أن إعلان إسبانيا وبعض الدول الأخرى عن دعمها لحل الدولتين، وتوقع دعم مماثل من بريطانيا، قد يؤسس لحل حقيقي، لكن ذلك يحتاج لأدوات ضاغطة على الاحتلال الإسرائيلي'.
ويضيف لـ'الخليج أونلاين':
- أزمة غزة باتت أزمة أخلاقية تؤرق دول العالم خاصة تلك التي تسعى لإنهاء هذه المأساة، وكشفت وعرّت النظام الدولي، وأثبتت أن التصريحات والمجاملات السياسية لم توقف المجازر المستمرة.
- هذه المأساة تحتاج إلى قرار دولي حقيقي والخطوات والتصريحات والمواقف الدولية، رغم أنها قد أثارت القضية في مكان ما، إلا أنها لم تغير الواقع على الأرض أو توقف المجازر.
- مجرد عقد المؤتمر لن يؤدي إلى إيقاف الأزمة والحصار في غزة، إلا إذا ظهرت مؤشرات ضغط حقيقية، لكن التصور العربي والسياسي يهدف إلى حل جذري للقضية الفلسطينية عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
- لكن الولايات المتحدة الحليف الأكبر للاحتلال، لا تزال تتبنى موقفاً سلبياً من حل الدولتين، وتستخدم حق النقض (الفيتو) باستمرار لمنع إدانة 'إسرائيل' أو وقف القرارات الدولية الداعمة للحل.
- المؤتمر يحتاج إلى وسائل ضغط على الولايات المتحدة، لأنها الدولة الوحيدة القادرة على لجم الاحتلال، والعديد من الدول العربية خاصة دول الخليج وتركيا، تبذل جهوداً كبيرة للضغط على واشنطن من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
- أي رغبة حقيقية لدعم الاستقرار في الشرق الأوسط يجب أن تتضمن إنهاء المأساة الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية عبر هذا المؤتمر، الذي يهدف إلى إنهاء الأزمة الإنسانية والتاريخية للشعب الفلسطيني، ودفع الاستقرار في المنطقة.
- يوجد جهود دولية لإنهاء مأساة غزة، ومحاولات لتوحيد المواقف الدولية تجاه القضية، لكن الموقف الأمريكي يبقى هو الأهم، والتوجه العربي والدولي ينصب نحو واشنطن للضغط على الاحتلال للقبول بحل الدولتين.
- لكن بنود المؤتمر النهائية التي لم تمتلك قوة دافعة ووسائل لتطبيقها من قبل الأمم المتحدة أو الدول المشاركة، لن تعطي الثمار المرجوة، وهذا الزخم الدولي والحضور الكبير يحتاج إلى وسائل سياسية ودبلوماسية وأدوات أخرى لفرض هذه القرارات أو تبنيها من قبل الدول الفاعلة.
- البيان الختامي يبشر بخطوات قد تتخذها بعض الدول، مثل مقاطعة الاحتلال اقتصادياً وأمنياً ومنع دخول مسؤوليه، مما ينبئ بحالة من اتخاذ خطوات للجمه وإجباره على القبول بمخرجات المؤتمر.










































