اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
الرياض - الثقافي
في عددها المزدوج (585–586) لشهري ذي الحجة 1446هـ – المحرم 1447هـ (يوليو – أغسطس 2025م)، تفتح مجلة الفيصل ملفًا موسّعًا عن السفر، مستكشفةً أبعاده الذهنية والروحية، ودوره في إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والمكان والمعنى. وتطرح المجلة عبر عنوان ملفها «السفر… الانكشاف والتجلّي» رؤية تتجاوز الصورة النمطية للترحال كتنقّل جسدي، لتقدّمه كتجربة عميقة لا تُكشف الذات إلا من خلالها.
يتضمن الملف مقاربات متنوعة تشمل تأملات فردية وسرديات ذاتية وتحقيقات فلسفية، تتلاقى عند فكرة أن السفر لا يكمن فقط في اكتشاف المجهول، بل في إعادة النظر في المألوف، وتفكيك ما نظنه بديهيًا. فالتجربة، كما تقدمها النصوص، تكشف الحُجب عن الذات أكثر مما تكشفها عن المكان، وترتبط بأسئلة حول الأصالة والوهم، وحول دور الأدب واللغة في صياغة خرائطنا الذهنية عن العالم.
شارك في الملف كتّاب من خلفيات وتجارب متعددة، من بينهم: إبراهيم عبدالمجيد، عباس بيضون، رائد وحش، ميساء الخواجا، صبحي موسى، طارق الطيب، وهدى الدغفق. كما تضمّن الملف ترجمةً لدراسة فلسفية فرنسية ليوليس باراتين، تتأمل في معنى الرحلة في عصر تحكمه الصور المصنّعة وأدلّة الإرشاد السياحي، وتتساءل عن حدود حرية المسافر في زمن النزعة الاستهلاكية.
وفي بقية مواد العدد، تسلط المجلة الضوء على شخصيات ومفاهيم ثقافية مؤثرة؛ منها الباحث الأميركي بول هيك الذي يتناول في حوار موسّع موضوع الحوار الديني وفهم الإسلام في السياق الغربي، كما يستعرض رؤيته حول تقاطعات الإيمان والمعنى في عالم سريع التحول.
ويحتفي العدد بالشاعر والباحث خزعل الماجدي في حوار بعنوان «عشت آلاف الحيوات»، كاشفًا فيه عن رؤيته الوجودية ومسيرته الإبداعية. كما يضم قراءات نقدية معمّقة في أعمال فيصل دراج، وعبدالرحمن المرزوقي، ونجيب محفوظ، إلى جانب تناول فكر الفيلسوف جيل دولوز، ومسائل الأخلاق في ظل النفعية المعاصرة.
وفي باب الفنون، تُبرز المجلة تجربة تارا الدغيثر في العمل الفني الذي يمزج بين الأداء الحي والموسيقى والجسد، مستلهمًا من ذاكرة الأهوار العراقية وحضارة سومر، ومُسائلًا الحضور الأنثوي في الفضاء الثقافي الراهن. كما تعرض قراءة لكتاب «الحديقة في مواجهة الزمن» لأوليفيا لاينغ، باعتباره تأملًا في مفهوم الحدائق كمساحات للتعافي وسط أزمات العالم.
أما في القسم الثقافي العالمي، فتتابع المجلة أثر رموز الإسلام السياسي في فرنسا من خلال استعراض سير ومواقف كل من أوليفييه روا، وفرنسوا بورغا، وجيل كيبيل، في سياق النقاش الأكاديمي حول الإسلام والعلمانية والهجرة، ضمن مقاربة معرفية ناقدة.
ويضم العدد مختارات أدبية تجمع بين نصوص إبداعية عربية، وترجمات شعرية وسردية تعكس الهم الإنساني في تجلياته اليومية والكونية، استمرارًا لنهج المجلة في احتضان التنوع الثقافي وتقديم رؤية شاملة للثقافة الحية.
وتسلّط المجلة الضوء كذلك على تدشين سمو الأمير تركي الفيصل كتاب «رياض الشعراء في قصور الحمراء» في إسبانيا، ضمن فعالية ثقافية احتفائية تستعيد عمق العلاقة بين الأدب العربي والفضاء الأندلسي.
وتغطي كذلك مشاركة مركز الملك فيصل في معرض «عصر المماليك» بمتحف اللوفر في باريس، حيث عُرضت مقتنيات مخطوطة نادرة من ذاكرة العالم الإسلامي، إلى جانب توقيع مذكرة تفاهم مع جامعة شنغهاي جياو تونغ في مجال الترجمة، وزيارة وفد مكتبة هيل الأميركية. ويستعرض العدد نشاط وحدة الذاكرة السعودية ومشروعها لتفريغ التسجيلات الشفهية، بوصفه جهدًا رائدًا لحفظ الوجدان الشعبي وتوثيقه، في إطار رؤية تسعى إلى صون الذاكرة الوطنية وتعزيز حضورها في الوعي المعاصر.
بهذا الطرح المتنوع، تواصل مجلة الفيصل ترسيخ دورها كمنبر فكري وثقافي، لا يكتفي بتقديم المعرفة، بل يسعى إلى إثارة التساؤل، وتحفيز القارئ على إعادة التفكير في علاقته بالعالم، سواء من موقعه، أو في طريق سفر.