اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١٣ تموز ٢٠٢٥
خالد الخضري
يُعدّ الأدب أحد المكونات الأساسية في بناء الهوية الثقافية وصناعة الوعي المجتمعي، كما أنه ركيزة من ركائز اقتصاد الإبداع الذي يعتمد على استثمار المواهب والقدرات الفكرية والفنية في خلق منتجات ذات قيمة اقتصادية وثقافية. وفي هذا السياق، برز اهتمام المملكة بتفعيل دور الأدب ضمن مسارها الطموح نحو التنويع الاقتصادي والثقافي، وذلك في إطار رؤية المملكة 2030 التي تؤمن بأن الثقافة ليست ترفًا، بل جزءاً أساسياً من التنمية المستدامة وبناء الإنسان.
في إطار رؤية المملكة 2030، لم تعد ممارسة الأدب حكرًا على المثقفين والمهتمين، بل تحوّلت إلى حقل مهني واقتصادي تُبنى حوله فرص عمل ومشروعات ومداخيل مستدامة. تبنّت المملكة هذه الرؤية انطلاقًا من قناعة عميقة بأن المبدع لا يجب أن يكون هاويًا فقط، بل يمكن أن يكون محترفًا يعمل ويتكسب من أدبه ضمن منظومة متكاملة من الدعم والتشريعات والتمكين.
أطلقت وزارة الثقافة برنامج 'التفرغ الثقافي'، الذي يمنح الأدباء والكتّاب منحًا مالية سنوية تتيح لهم التفرغ التام للكتابة والتأليف، كما يتم التعاقد مع بعضهم على أساس مشروعات ثقافية، مثل إعداد كتب، أو تطوير نصوص مسرحية أو قصصية أو حتى محتوى لمنصات وطنية. هذا البرنامج يعترف رسميًا بأن الكتابة وظيفة، ويمنح المبدع أجرًا مقابل عمله الإبداعي.
وأصبح الأدباء في السعودية يمتلكون فرصًا مباشرة لنشر أعمالهم وطبعها وتسويقها محليًا ودوليًا، من خلال شراكات مع دور نشر مدعومة، أو عبر منصات النشر الذاتي. وقد دعمت هيئة الأدب والنشر والترجمة إطلاق مشروعات تُحوّل الكاتب إلى رائد أعمال ثقافي، لديه منتج يُباع ويُسوّق، وتُدفع له عوائد مالية وحقوق نشر وتوزيع، وقامت المملكة بتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية، مما مكّن الكتّاب من جني أرباح من إعادة نشر أعمالهم أو تحويلها لأشكال أخرى (مثل: تحويل الرواية لفيلم أو مسلسل). هذه النقلة جعلت الأدب أصلًا اقتصاديًا قابلًا للاستثمار، حيث يتم التعامل مع كل عمل أدبي كمنتج ذي قيمة اقتصادية.
كما ظهر أيضًا نمط جديد من الوظائف المرتبطة بالأدب، مثل: كتّاب محتوى ثقافي لمواقع وهيئات ومؤسسات، ومحررين أدبيين، ومترجمين محترفين، ومدربين على الكتابة الإبداعية في ورش معتمدة، ومستشاري محتوى في شركات الإعلام والنشر، وهذا ما يعكس دمج الأدب في سوق العمل مباشرة، وتحويل المهارات الأدبية إلى مهنة تُدر دخلًا وتُطلب في سوق العمل.
وفي هذا الإطار راح بعض الكتّاب يؤسسون مشروعاتهم الخاصة مثل: مكتبات مستقلة ونوادي قراءة مدفوعة ودور نشر رقمية وتطبيقات كتب صوتية ومواقع لبيع القصص الرقمية أو ورش الكتابة، كل هذا جعل من الأدب قطاعًا استثماريًا واعدًا، يمكن أن يُدر أرباحًا، ويخلق وظائف للمبدعين، بدل أن يظل مجرد هواية جانبية.
وأطلقت وزارة الثقافة متمثلة بـ'هيئة الأدب والنشر والترجمة' عام 2021، قراراً يمنح الأدباء والمبدعين فرصة التفرغ التام للإنتاج الإبداعي، من خلال عقود رسمية مدفوعة الأجر، كـ'ممارس محترف' أو 'مبدع متفرغ '، تُمكّنهم من العمل على مشروعات أدبية محددة. بعضهم يعمل ضمن جهات حكومية أو ثقافية أو يتم تخصيص دعم فردي لهم، من بين المشاركين: محمد حسن علوان -كاتب روائي-، الذي أكد في أكثر من لقاء أهمية أن يتحوّل الأدب إلى مهنة لها مقابل مادي، وأن الكاتب يجب أن يجد بيئة احترافية. كما أصبحت هناك وظائف رسمية في مجالات: تحرير المحتوى الأدبي، التأليف، الترجمة، التوثيق الثقافي– وهي وظائف يتقدم لها أدباء متخصصون.
بذلك يمكن القول: إن المملكة نجحت في تحويل الأدب من نشاط فردي محدود إلى صناعة ثقافية واعدة، عبر رؤية استراتيجية تحتضن المواهب وتستثمر في المحتوى المحلي. ويُعد هذا التحول نموذجًا ملهمًا لكيفية تفعيل اقتصاد الإبداع وتوظيف الأدب في بناء مجتمع حيوي وثقافة وطنية مزدهرة. ومع استمرار المبادرات والبرامج الداعمة، من المتوقع أن يشهد الأدب السعودي قفزات نوعية تُكرّسه كأحد أعمدة التنمية الثقافية والاقتصادية في المملكة.