اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١٨ أيار ٢٠٢٥
حائل- 'الرياض'
في مشهد استثماري استثنائي يعكس تحوّلًا إستراتيجيًا في توجهات التنمية الإقليمية، انطلقت يوم أمس فعاليات منتدى حائل للاستثمار 2025، برعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل، بتنظيم من غرفة حائل وبالشراكة مع إمارة المنطقة، تحت شعار “كن جزءًا من المستقبل الواعد”، وسط حضور رفيع ضم وزراء، ووكلاء، ومسؤولين، ونخبة من المستثمرين المحليين والدوليين.
جاءت انطلاقة المنتدى لتكرس واقعًا اقتصاديًا جديدًا، معلنةً عن طرح 125 فرصة استثمارية، منها 14 فرصة نوعية، بإجمالي استثمارات تجاوزت 34.2 مليار ريال، عاكسةً الطموح الكبير الذي تحمله حائل لتكون ركيزة محورية في خريطة الاستثمار الوطني. وقد مهّد سمو أمير المنطقة لانطلاق فعاليات المنتدى بجولة شاملة في المعرض المصاحب، الذي استعرض أبرز المشاريع والمبادرات والفرص الاستثمارية في المنطقة، بمشاركة فاعلة من الجهات الحكومية والقطاع الخاص.
لكن جوهر المنتدى لم يكن فقط في الفعاليات الرسمية، بل فيما حمله من حزمة مبادرات استراتيجية شكلت أساسًا عمليًا لرؤية تنموية متكاملة، تؤسس لمناخ اقتصادي أكثر تنوعًا وشمولًا، يستند إلى الإمكانات الفريدة التي تتمتع بها منطقة حائل.
أولى هذه المبادرات كانت مبادرة تحفيز إدراج الشركات في الأسواق المالية، التي تسعى إلى تمكين الشركات المحلية من الوصول إلى السوق المالية السعودية، سواء السوق الرئيسية أو الموازية، عبر تقديم دعم متكامل يشمل بناء الجاهزية التنظيمية، وتطبيق معايير الحوكمة، وتسهيل الوصول إلى التمويل، بما يرفع مستوى الشفافية، ويهيئ هذه الشركات للتوسع والنمو المستدام.
أما المبادرة الثانية، فجاءت تحت عنوان تأسيس حاضنة أعمال صناعية غذائية، وهي مبادرة نوعية تهدف إلى دعم مشاريع الصناعات الغذائية الصغيرة والمتوسطة من خلال توفير بيئة شاملة تضم التدريب والإرشاد والدعم المالي والفني، ما يعزز القيمة المضافة في سلاسل الإنتاج الغذائي، ويرفع من مستوى الأمن الغذائي في المنطقة، ويحفّز النمو الصناعي المحلي.
ولم تغفل المبادرات بعدًا بالغ الأهمية يتمثل في توطين الوظائف وتنمية رأس المال البشري، وهو ما تجسد في برنامج الأمير عبدالعزيز بن سعد لتوطين الوظائف في قطاع الصناعات الغذائية، والذي جاء بالتعاون مع معهد الصناعات الغذائية لتأهيل أبناء وبنات المنطقة، عبر برامج تدريبية تخصصية تتوافق مع احتياجات سوق العمل، وتفتح أبواب التوظيف أمام الكفاءات المحلية في المجالات الصناعية والغذائية، في خطوة استراتيجية لتقليل نسب البطالة ورفع كفاءة الكوادر الوطنية.
وفي سياق متصل بتعزيز ثقة المستثمرين وتهيئة بيئة أعمال احترافية، جاءت مبادرة مركز حائل للتحكيم التجاري، والتي تهدف إلى إنشاء مركز متخصص لحل النزاعات التجارية بالشراكة مع المركز السعودي للتحكيم التجاري، يقدم خدمات الوساطة والتحكيم وفق أفضل المعايير، ما يسهم في تسريع تسوية النزاعات، وخفض التكاليف، وتوفير مناخ قانوني جاذب للاستثمار.
وفي ظل التحولات التي يشهدها سوق العمل عالميًّا، قدّمت حائل نفسها كلاعب مرن ومواكب للتطور عبر مبادرة “حائل قريبة”، وهي مبادرة تمكّن أبناء المنطقة من العمل عن بعد في مجالات متعددة دون الحاجة لمغادرة منطقتهم، بالتعاون مع شركات محلية وعالمية، مستهدفة تخصصات مثل تقنية المعلومات، والمحاسبة، والموارد البشرية، والاستشارات، في خطوة تعزز من استقرار المجتمع وتوسّع نطاق المشاركة الاقتصادية.
ولم تكتمل لوحة التحول الاقتصادي دون أدوات ذكية تدير وتنسق وتعرض فرص الاستثمار، فجاءت مبادرة منصة استثمارات حائل، التي تشكل بوابة موحدة تعرض الفرص الاستثمارية في المنطقة، وتوفر معلومات دقيقة ودراسات جدوى، وتربط المستثمرين بالجهات التمويلية والتنظيمية، بما يسرّع من اتخاذ القرارات ويعزز الشفافية وكفاءة الأداء الاستثماري.
هذه المبادرات، وغيرها من المشاريع التي تم توقيعها خلال المنتدى بقيمة إجمالية تجاوزت 8.5 مليارات ريال، شكّلت ملامح مشهد اقتصادي جديد تنخرط فيه منطقة حائل بقوة، مستندة إلى مزاياها الطبيعية، وموقعها الإستراتيجي، وبنيتها التحتية المتطورة.
وفي الجلسات الحوارية المصاحبة، التي تجاوز عددها تسع جلسات وطرحت أكثر من 42 محورًا استثماريًّا، ناقش المشاركون سبل تطوير القطاعات الحيوية في المنطقة، مثل السياحة والزراعة والنقل والصناعة والتعليم، في بيئة فكرية غنية بالتصورات المستقبلية والآراء النوعية.
وفي كلمته أكد سمو أمير منطقة حائل أن هذه المبادرات ليست سوى بداية لمرحلة تنموية غير مسبوقة، وأن ما تشهده المنطقة من تحولات هو ثمرة لرؤية وطنية طموحة ودعم كريم من القيادة الرشيدة، داعيًا المستثمرين إلى اغتنام الفرص النوعية والمشاركة في صياغة مستقبل اقتصادي أكثر ازدهارًا.
وهكذا، لم يكن منتدى حائل للاستثمار 2025 مناسبة عابرة، بل إعلان انطلاق مرحلة جديدة تتجاوز الطموح النظري إلى التخطيط التنفيذي، حيث تتقدم حائل بخطى واثقة نحو دور محوري في الاقتصاد الوطني، وتقدّم نموذجًا متكاملًا للتنمية القائمة على المبادرة، والشراكة، والاستثمار في الإنسان والمكان.