اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
أ. د. فهد بن مطلق العتيبي
يُعَدّ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أحد أعظم رجال الإسلام وأبرز شخصيات التاريخ الإنساني على الإطلاق، لم يكن مجرد صاحبٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، بل كان أقرب الناس إليه، وأوفاهم له، وأكثرهم نصرةً لدعوته، فمنذ اللحظة الأولى لإسلامه سخّر ماله وجاهه ونفسه لنصرة الدين، فكان مثالًا للرجل الذي يجمع بين الإيمان العميق، والحكمة السياسية، والرحمة بالناس، من أعظم مواقفه في خدمة الإسلام والذي يدل على رحمته إنفاقه أمواله لتحرير المستضعفين مثل بلال بن رباح وغيره، إذ كان يرى أن حرية الإنسان وكرامته جزء من نصرة الدين. وعندما هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار كان مثالًا للتضحية والوفاء، فاختاره الرسول صلى الله عليه وسلم رفيقًا له في أخطر رحلة في تاريخ الدعوة، مما يدل على ثقته الكاملة به، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالفضل والثناء مرارًا، فقال: 'لو كنتُ متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً'، كما قال: 'إنَّ أَمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر'، وهذه شهادة نبوية بأن أبا بكر كان أكثر الصحابة نفعًا للإسلام ورسوله. وعندما تولى الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أظهر حنكة سياسية نادرة، فالعالم الإسلامي كان مهددًا بالارتداد والانقسام، لكن أبا بكر ثبت كالجبال الراسية، فقاد حروب الردة، وحمى وحدة الدولة، وأعاد هيبة الإسلام، ثم أرسل الجيوش لفتح العراق والشام، واضعًا الأساس الأول للتمدد الحضاري للدولة الإسلامية، كان أبو بكر من أكثر الناس رحمةً ورقةً، كان يبكي عند قراءة القرآن، ويُطعم الفقراء، ويحلب شياه الجيران حتى بعد أن صار خليفة، وإذا وقف على المنبر قال: 'القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع له حقه'. بهذه الكلمات جسّد مفهوم العدالة الاجتماعية الذي سبق به النظم الحديثة. فهل حق لأي قائل أن يقول بعد كل هذا أن أبا بكر كان مستبداً!
لقد جمع الصديق بين الإيمان العميق، والوفاء للنبي ﷺ، والحكمة السياسية، والرحمة الإنسانية، فاستحق أن يكون أفضل الأمة بعد نبيها، وأن يُخلّد التاريخ اسمه في صفحات النور.
وجهة نظري، أن عظمة أبي بكر لا تكمن في مواقفه الكبرى فقط، بل في انسجام شخصيته: قلب خاشع، وعقل سياسي، وخلق رحيم. ولو قُدّر لقادة العصر أن يقتدوا بعدالته وثباته ورحمته، لكان الواقع أكثر استقرارًا وإنسانية.