اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ١٥ تموز ٢٠٢٥
د. محمد المسعودي
تتلخص مسيرة جمعية تأهيل في معادلة إنسانية صادقة لأهالي عنيزة.. عطاء لا يعرف حدودًا، رؤية تلامس السماء، وإيمان عميق بأن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بداية قصة انتصار يكتبها العمل الجاد، هذه هي قصة 'تأهيل'، حكاية لا تنتهي لأنها وُلدت لتبقى..
في عنيزة، حيث يزهر العطاء وتكبر الأحلام، خطّت جمعية عنيزة للتنمية والخدمات الإنسانية 'تأهيل' قصة ريادة تجاوزت حدود المكان والزمان، لتصبح أنموذجًا يُحتذى في خدمة الإنسان، ففي يوم الخميس 24 أكتوبر 2024، حلّقت الجمعية عاليًا وهي تتوج بجائزة الأمير محمد بن فهد لأفضل أداء خيري على مستوى الوطن العربي، في مسار المنشآت الكبيرة، لتضيف صفحة جديدة مشرقة إلى سجل حافل بالإنجازات التي صنعتها مسيرة لم تعرف التراجع ولا الاكتفاء.
بدأت حكاية التميز المؤسسي عام 2012م حين حازت الجمعية شهادة الأيزو في الجودة الإدارية، ثم تتابعت الجوائز، من جائزة الملك خالد للتميز، وجائزة الأمير فيصل بن بندر للسعودة، وتكريم مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية بدول الخليج، إلى جائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز، وشهادات الاعتماد العالمية في الصحة والسلامة المهنية وإدارة الشكاوى والمسؤولية الاجتماعية، حتى صار اسم 'تأهيل' رمزًا للريادة الموثوقة.
لكن الطموح لدى هذه الجمعية لا يقف عند حدود التقدير، بل يتسع ليشمل رؤية أن تكون ضمن أفضل عشر مؤسسات عالمية متخصصة في الإعاقة بحلول عام 2028م. ولتحقيق هذا الهدف، قامت ببناء 'مدينة جمعية تأهيل الإنسانية'، الصرح الأضخم في الشرق الأوسط لخدمة ذوي الإعاقة، بمساحة تتجاوز 450 ألف متر مربع، تضم تسعة عشر مشروعًا إنسانيًا نوعيًا.
في طليعة هذه المدينة يقف مجمع علي الجفالي للرعاية والتأهيل، المركز الأكبر على مستوى المملكة، الذي يقدم خدمات الرعاية النهارية والتعليم والتأهيل، ويضم مدارس قدرات النموذجية للتربية الخاصة والسكن الداخلي لمشروع الابتعاث الداخلي، ومركز العلاج الطبيعي والوظيفي بقسميه الرجالي والنسائي.
أما مركز محمد السعدي للطفولة والتدخل المبكر، فهو حضن الأمل للأطفال المتأخرين نمائيًا والمعرضين للخطر منذ الولادة حتى سن الثامنة، حيث تُقدم برامج عالمية منها 'بورتيج' و'السلوك التحليلي التطبيقي' عبر كادر متعدد التخصصات.
ويأتي مركز علي التميمي للتوحد، بتصميمه الصديق لأطفال التوحد وتجهيزاته الحديثة وبرامجه المتقدمة كالأيبلز والقبعات الثمانية و'في بي ماب' والتواصل البديل 'بيكس'، ليكون نموذجًا تخصصيًا في الرعاية والتعليم والدمج المجتمعي.
وفي ميدان التمكين، يتألق مركز الخنينية للتمكين الوظيفي والاجتماعي، الذي لم يكتفِ بالتدريب، بل أسس حاضنات أعمال، وحقق أكثر من 350 فرصة وظيفية، وقدم برامج الإرشاد الأسري والتمكين الاقتصادي والاجتماعي.
ولتأهيل الشباب والفتيات، شيدت الجمعية مراكز عثمان الخويطر للتأهيل المهني (للشباب والفتيات)، والتي تضم ثماني حاضنات تدريبية بمهن متنوعة تناسب جميع الإعاقات، وعيادات نفسية وتأهيلية ومرافق متكاملة، لتكون بيئة إعداد متكاملة لسوق العمل.
ولفئة غالية تستحق كل العناية، أنشأت الجمعية مركز عثمان الخويطر لمتلازمة داون، الذي يضم أقسامًا للرعاية النهارية للبنين والبنات بفصول مجهزة وعيادات متخصصة للنطق واللغة والعلاج النفسي والتأهيل البدني والأنشطة الترفيهية.
كما يحظى الصم وضعاف السمع برعاية خاصة في مركز الزامل للسمع والكلام، الذي يشمل عيادات تشخيص وعلاج اضطرابات السمع والكلام، قاعات تدريبية، معامل قوالب سمعية، وبرامج تعليمية ولغوية وتكامل سمعي، في بيئة تربوية ترفيهية شاملة.
أما في سجل الطموحات القادمة، فقد وضع سمو أمير منطقة القصيم الأمير الداعم الدكتور فيصل بن مشعل حجر الأساس لمشروعين جديدين.. مبنى الإدارة العامة للجمعية ومركز عثمان الخويطر للأبحاث والدراسات، ليكونا روافد معرفية وتنظيمية تخدم الرؤية الكبرى.
ويكتمل عقد المنجزات بمؤسسة امتداد للخدمات الإنسانية، التي تختص بتقديم الرعاية الصحية المنزلية والتشغيل والإشراف على مشاريع التأهيل في القرى والمناطق النائية وإعداد الدراسات والبحوث المتخصصة.
وعندما تشرفتُ الأسبوع الماضي بزيارة هذا الصرح الإنساني العظيم، مدينة جمعية تأهيل، وجدتُ للأمانة نفسي أمام لوحةٍ من العطاء المجبول بالإتقان، تفيض إنسانيةً وتكتسي جمالًا في كل زاوية. استقبلني القائمون على الجمعية بوجهٍ بشوش وكرمٍ يليق بمقام منطقة القصيم وبرسالتهم السامية، فشعرتُ أني بين إخوةٍ يملكون قلوبًا نابضة بالرحمة والإصرار، وخلال جولتي بين مرافق المجمعات والمراكز المتخصصة، رأيتُ بأم عيني كيف تتحول الأفكار النبيلة إلى حاضنات أعمال ومنجزات ملموسة، وكيف تُصنع الفرص والأحلام لأغلى فئات المجتمع، كل ركنٍ كان يحكي حكاية أمل، وكل ابتسامةٍ صادقة تنطق بعظمة ما أنجزه هؤلاء الرواد في خدمة ذوي الإعاقة بإنسانيةٍ مهنيةٍ تستحق التقدير والإجلال.
هذا التنوع الهائل لم يكن ليُثمر دون قيادة ملهمة وكوادر ذات كفاءة عالية وشركاء مجتمع مؤمنين برسالة الجمعية، وبفضل هذه الروح الجماعية، استطاعت 'تأهيل' أن تسهم في تمكين آلاف المستفيدين من الولادة وحتى الاستقلال الاجتماعي والمهني، تحت شعار نبيل 'نرعاهم لنمكنهم.. نمكنهم لنسعدهم'.
وهكذا، تتلخص مسيرة جمعية تأهيل في معادلة إنسانية صادقة: عطاء لا يعرف حدودًا، رؤية تلامس السماء، وإيمان عميق بأن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بداية قصة انتصار يكتبها العمل الجاد، هذه هي قصة 'تأهيل'، حكاية لا تنتهي لأنها وُلدت لتبقى.