اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة البلاد
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
مقالي اليوم عبارة عن نصيحة أوجّهها إلى أبنائي وبناتي الطلاب والطالبات المقبلين على الالتحاق بالجامعات، وهم على أعتاب محطة جديدة في حياتهم العلمية والعملية؛ فرغم أن خطوات القبول الجامعي قد تبدو للبعض مجرد إجراءات تقنية تُنفّذ إلكترونيًا، إلا أن حقيقتها أعمق بكثير؛ إذ تمثّل قرارات مصيرية تصوغ ملامح المستقبل، وتؤثر بعمق في تشكيل الهوية النفسية والمهنية للطالب.
أي أن اختيار التخصص الجامعي ليس مجرد خطوة عابرة، بل لحظة فارقة يتقاطع فيها ما يحبه الطالب، وما يُجيده، وما يطلبه سوق العمل. فهو لا يُحدد فقط مجال الدراسة، بل يرسم ملامح الشخصية المهنية، ويشكّل رؤية الطالب لذاته ولمكانه في هذا العالم.
وتُظهر أبحاث التوجيه والإرشاد الأكاديمي، أن الانخراط في تخصص لا يتوافق مع الميول أو القدرات، قد يؤدي إلى انخفاض الدافعية وتشتت الهوية، وربما إلى غير ذلك من القلق أو الاغتراب الأكاديمي. في المقابل، فإن التوافق بين ما يريده الطالب، وما يناسب قدراته يعزز الرضا والتحصيل، ويُسهم في تكوين شخصية متوازنة وقادرة على مواجهة التحديات بثقة.
ولكي يكون هذا القرار صائبًا، ينبغي أن يُبنى على توازن بين ثلاثة أبعاد رئيسة؛ تتمثل في الشغف الشخصي، والقدرة الذاتية، والفرص المستقبلية. فالاختيار الذي يجمع بينها هو الأقرب إلى الالتزام والاستقرار والنجاح في المرحلة الجامعية وما بعدها.
وتزداد الحاجة لهذا التوازن في ضوء التغيرات، التي طرأت على سوق العمل، خصوصًا مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتراجع جدوى بعض التخصصات التقليدية، حيث بات التركيز موجهًا نحو المهارات الإنسانية الأصيلة؛ كالتفكير النقدي، والإبداع، والقيادة، والتعاون، والذكاء العاطفي. وهي مهارات تُبنى في بيئات تعليمية محفزة، ومن خلال تخصصات تثير الفضول وتوسّع الأفق.
ومن هنا، فإن مسؤولية الاختيار تبدأ من الطالب نفسه، الذي ينبغي أن يتحلى بالوعي والإدراك لنتائج قراراته، وألا يترك قراره رهينة لضغوط المحيط. ومن المهم أن يراجع الخطط الدراسية، ويستشير المتخصصين، ويطلع على تقارير سوق العمل، ويقيّم ذاته بصدق. كما أن على الأسرة أن تكون داعمة لا مُوجّهة، لأن فرض تخصص غير مرغوب فيه قد يؤدي إلى مسار دراسي باهت، وإن أُنجز شكليًا.
وختامًا، فإن التخصص الذي تختاره اليوم ليس مجرد عنوان أكاديمي في وثيقة التخرج، بل هو انعكاس لطموحاتك، وبداية حقيقية لمشروعك في الحياة. فتعامل مع هذا القرار بوعي، واجعل اختيارك صادقًا مع نفسك، منسجمًا مع قدراتك، ومتصلاً بمستقبلك الواقعي؛ فالعالم لا يحتاج نسخًا مكررة، بل يحتاج عقولًا أصيلة تعرف كيف تختار، ومتى تتحرك، وأين تُحدث الفرق.
ولا تنسَ أن الجامعة ليست نهاية الطريق، بل بدايته. والتخصص الجامعي ليس قيدًا، بل منصة تنطلق منها إلى آفاق أوسع. فاختر بوعي، واسعَ بشغف، واصنع من تخصصك بوابة لهويتك ورسالتك في هذا العالم.
……………………………
• أستاذ علم النفس
بالجامعة الإسلامية.