اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢١ أيلول ٢٠٢٥
الكاتب: هبه بيضون
تتجه الأنظار غداً إلى نيويورك، حيث يُعقد مؤتمر دولي برعاية فرنسية وسعودية، يحمل في طياته احتمالاً تاريخياً: اعتراف جماعي من دول غربية بالدولة الفلسطينية، ناهيك عن احتمالية إعلان أربع دول اعترافها اليوم الأحد، وفق تصريحات وزيرة الخارجية الفلسطينية. هذه الخطوة، التي طال انتظارها، تأتي في لحظة مشحونة بالتحولات الإقليمية والتوترات الميدانية.
من منطلق إيجابي، فإنّ الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية يعزّز فكرة حل الدولتين، التي تراجعت لصالح سياسات الأمر الواقع. كما أنّ هذا الاعتراف، وفق ما تراه بعض الدول المشاركة، هو وسيلة للضغط على إسرائيل لوقف التصعيد في الضفة وغزة، ولتمكين السلطة الفلسطينية من لعب دور أكبر، خصوصاً في غزة. كما أنه قد يشجّع دولاً أخرى على الانضمام لهذه المبادرة، وقد يؤدّي إلى إحياء المفاوضات، ويمنح القضية دفعة دبلوماسية طال غيابها، لكنه يظل مرهوناً بمدى التزام الأطراف الفاعلة بتنفيذه عملياً، وبقدرة المجتمع الدولي على ترجمة هذا الاعتراف إلى خطوات ملموسة على الأرض.
في المقابل، لا تخفي إسرائيل رفضها القاطع لهذه الخطوة، وقد لوّحت بإجراءات انتقامية، أبرزها ضم أجزاء واسعة من الضفة، وهو ما وصفته فرنسا بأنه 'خط أحمر'. هذا التصعيد المحتمل يهدّد فرص السلام، ويزيد تعقيد الأمور ميدانياً، ما يقوّض تنفيذ حل الدولتين على الأرض، كما ينذر بتوتر دبلوماسي واسع بين إسرائيل والدول المعترفة، خاصة إذا رافق الاعتراف خطوات عملية مثل فرض عقوبات أو سحب سفراء. ومع ذلك، فإنّ إسرائيل قد تستغل هذا التوتر المحتمل، لتكريس واقع الاحتلال، ما يجعل من الاعتراف الدولي سلاحاً ذا حدّين.
ورغم الزخم السياسي، تبقى المخاوف قائمة من أن يتحول الاعتراف إلى خطوة رمزية لا أثر فعلي لها، خصوصاً إذا لم يُستكمل بمواقف دولية تنفيذية حازمة، أو إذا استمر الانقسام الفلسطيني الداخلي، ما يضعف من الاستفادة السياسية من الاعتراف، او إذا لم تدعمه الولايات المتحدة، ما يرجّح أن تستمر إسرائيل بسياستها الاستيطانية التوسعية على الأرض الفلسطينية، على الرغم من الاعتراف.
في هذا السياق، دعا إعلان نيويورك، الصادر عن المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية سلمياً وتنفيذ حل الدولتين، الذي عقد بنهاية شهر تموز، إلى أن يكون الحكم وحفظ النظام والأمن في الأراضي الفلسطينية من اختصاص السلطة الفلسطينية حصرياً، إشارة إلى ضرورة نقل المسؤوليات الأمنية في غزة من حماس إلى السلطة. هذه الدعوة، رغم ما تحمله من دعم سياسي، تضع السلطة أمام اختبار؛ إعادة بناء الثقة مع الشعب الفلسطيني، وتقديم نموذج حكم قادر على إدارة المرحلة المقبلة بفعّالية. تحقيق ذلك يتطلب تعزيز الأداء المؤسسي، وتوفير دعم دولي مستدام، إلى جانب اتخاذ خطوات داخلية تّسهم بتوحيد الصف الوطني، دون أن تُفرض أجندات خارجية تُضعف القرار الفلسطيني المستقل.
إنّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يجب ألّا يكون مجرد خطوة رمزية، بل هو اختبار لإرادة المجتمع الدولي بإنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة. كما يبقى الأمل معقوداً على أن تتحول هذه المبادرة إلى بداية جديدة، لا مجرد موقف سياسي عابر. فإما أن يكون هذا المؤتمر نقطة تحول تاريخية فعلية، أو حدث آخر يُضاف إلى الأرشيف.
يحمل الاعتراف أيضاً في طياته، إمكانيات لتغيير جوهري في موازين القوى داخل الأراضي الفلسطينية. فالدعوة إلى نشر بعثة دولية مؤقتة لحماية المدنيين في غزة، ودعم نقل السلطة إلى الجهات الرسمية، كما ورد في إعلان نيويورك، قد يعيد تشكيل ديناميكيات السيطرة في القطاع، ويفتح الباب أمام ترتيبات أمنية وسياسية جديدة. كما أنً فرنسا، ومعها عدد من الدول الغربية، ترى في الاعتراف وسيلة لعزل حماس سياسياً وتعزيز موقع السلطة الفلسطينية، ما قد يخلق واقعاً سياسياً مختلفاً في غزة عن السنوات الماضية. وفي ظل تصاعد الانتقادات الدولية لإسرائيل، يلوح في الأفق تحول تدريجي في المزاج العالمي، قد يمنح الفلسطينيين مساحة أوسع للمطالبة بحقوقهم.