اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
شهدت غزة خلال معركة طوفان الأقصى بروز عصاباتٍ خارجة عن القانون، لكنها سرعان ما كشفت عن هشاشتها البنيوية واعتمادها المباشر على شبكات مرتبطة بالاحتلال وبأطراف في السلطة الفلسطينية، ولم يكن لهذه المجموعات القدرة على تطوير مشروع مستقل أو تشكيل قوة ذاتية، بل عملت كأدوات مؤقتة تتحرك ضمن هامش محسوب يخدم أهدافًا خارجية لا علاقة لها بالبنية المجتمعية الداخلية، ويأتي هذا المقال لتفكيك طبيعة هذه الظاهرة وتبيان محدوديتها الحقيقية، بعيدًا عن المبالغات الإعلامية التي صوّرتها وكأنها فاعل جديد في مشهد القوة.
حيث ظهرت العصابة الأولى بتنظيم ياسر أبوشباب الهارب من السجون الفلسطينية، لاتهامه بتهريب المخدرات والتجارة بالسلاح، حيث عمل أبوشباب على جمع أصحاب السوابق الأمنية والأخلاقية في قطاع غزة من بعض أبناء العوائل الذين لديهم مشاكل مع الحكومة لارتكابهم قضايا تدينهم قانونيًا.
وفي السياق ذاته أطلق أبو شباب على عصابته اسم 'القوات الشعبية'، وكان قد ظهر خلال لقاءاتٍ مع بعض الاذاعات التي صرّح فيها عن وجود تعاونٍ بينه وبين قوت الاحتلال، فيما يتمركز مع قواته في مناطق سيطرة الاحتلال أو ما يعرف بمنطقة الخط الأصفر، حيث عمل مع مجموعته خلال المعركة على قطع الطريق على النازحين جنوبًا وسرقة المساعدات ضمن خطة تجويع الشعب الفلسطيني في القطاع وتأليبهم على المقاومة الفلسطينية.
وكانت المقاومة قد نفذت العديد من المهمات الأمنية والعسكرية التي عملت على إضعاف ظاهرة أبوشباب، حيث ظهر بداية العام الحالي استهداف المقاومة الفلسطينية سيارة تابعة لأبي شباب بقذيفة مضادة للدروع، ما أدى لمقتل أفراد العصابة المتواجدين في السيارة.
كما عملت المقاومة على تصنيفهم بـ (المستعربين) ما جعل منهم هدفًا حقيقًا للمقاومة في غزة، وقد برز ذلك في أحد فيديوهات المقاومة المنشورة في التصدي لقوات الاحتلال في منطقة رفح، حيث انفجرت عبوة ناسفة في مجموعة من عصابة أبوشباب ما أدى لمقتل وجرح أفرادها على الفور.
ويُلاحظ من طبيعة نشاط هذه العصابة أنّها لم تكن مجرد عصابة جنائية، بل مشروعًا تخريبيًا ذو وظيفة أمنية واضحة، يرتبط مباشرةً بمحاولات الاحتلال تفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة.
من جهةٍ أخرى، أنشأت المخابرات 'الاسرائيلية' مجموعاتٍ أخرى لزعزعة الأمن والاستقرار وتشتيت الجهود الأمنية والعسكرية للمقاومة، حيث استفادت من وجود هارب آخر في منطقة خان يونس ليشكل مجموعةً عسكرية مناهضةً للمقاومة أيضًا.
حيث يتهم بالتخابر المباشر مع الاحتلال 'الاسرائيلي'، وكان القضاء الفلسطيني قد حكم عليه بالاعدام، نظرًا لمساهمته في اغتيال أحد كوادر المقاومةـ إلا أن الحرب سمحت له بالهروب من السجن وتشكيل عصابته.
وتعتبر مجموعته أضعف من مجموعة أبي شباب، متخذةً من مناطق تواجد قوات الاحتلال مركزًا لها.
وعلى صعيد مدينة غزة، فقد كررت المخابرات الأسلوب نفسه، حيث زرعت مجموعة أخرى في منطقة الشجاعية، والذي جمع حوله أصحاب السوابق الأمنية والأخلاقية، وبعض الموظفين القدامى في السلطة الفلسطينية (قبل العام 2006 – 2007) والذين يحملون حنقًا على المقاومة ونهجها منذ فوزها في الانتخابات التشريعية في العام 2006.
وقد استهدفت المقاومة هذه المجموعة مباشرة، وظهر ذلك في فيديو يوثق قنص أحد المتخابرين، قبل أن يتوارد بين الأوساط الشعبية في غزة عن تلقيه علاجًا في المشافي 'الإسرائيلية'، وتُظهر هذه الحالة أنّ الاحتلال اعتمد على (الحقد السياسي القديم) كأداة لاختراق الجبهة الداخلية في غزة، مستفيدًا من التناقضات الاجتماعية والتاريخية.
فيما كانت محطة شمال القطاع آخر المحطات التي تتشكل فيها العصابات على يد عميل آحر. حيث عمل بذات النهج مسجلًا فيديو قصير يعلن فيه تشكيل 'الجيش الشعبي' المعادي للمقاومة الفلسطينية، فيما ظهر مع مجموعته بأسلحةٍ فرديةٍ وتمركزٍ واضحٍ في مناطق الخط الأصفر، وقد عملت المقاومة على استهدافه وعصابته.
وتؤكد سرعة انهيار هذه المجموعة أنّها بُنيت على عناصر ضعيفة تنظيميًا وغير متماسكة اجتماعيًا، على عكس محاولة أبوشباب التي حاولت اللعب على الانتماء القبلي
ورغم ما سبق، إلا أن تطوراتٍ لافتة برزت في العصابات عمومًا والعصابة الأقوى شريانًا خصوصًا 'عصابة أبوشباب'، حيث قام العديد من أفراد عصابته بتسليم أنفسهم لأمن المقاومة، فيما اتهم أبوشباب العصابات الأخرى بالتأثير عليه ونقمتهم على عصابته نظرًا لتكوينها البدوي.
تكشف هذه الانقسامات أنّ العصابات تفتقر إلى مشروع موحد، وأنّها تحولت سريعًا لمجموعات صراعية داخلية، وهو ما سهّل على المقاومة تفكيكها.
وشهدت الأيام الأخيرة جدلًا بين قيادة قوات الاحتلال وجهاز الشاباك حول مستقبل عصابة أبوشباب، حتى أعلنت صحيفة هآرتس أنّ رئيس أركان الاحتلال (إيال زامير) أوعز بوقف عمل هذه العصابات وطرد عناصرها بالتنسيق مع الشاباك، بالتزامن مع اقتراب المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار ودخول الانسحاب نحو 'الخط الأحمر'، ويُعد هذا القرار مؤشرًا واضحًا على فشل الرهان 'الإسرائيلي' على هذه المجموعات، وعدم قدرتها على تشكيل تهديد حقيقي للبنية الداخلية في غزة.
وعليه، فعلى الرغم من الدعم اللامتناهي من قوات الاحتلال والسلطة الفلسطينية على حدٍ سواء للعصابات المذكورة إلا أن ذلك لم يفت في عضد الجبهة الداخلية الغزية، بل استمرت الحاضنة الشعبية في التفافها حول المقاومة نابذةً للعصابات وداعمةً للمقاومة، كما يعكس قدرة المجتمع على التمييز بين المقاومة الحقيقية والمشاريع التخريبية المرتبطة بالاحتلال.
تؤكد التجربة أن ما ظهر من عصابات في غزة لم يمتلك يومًا مقومات البقاء أو القدرة على فرض أي معادلة جديدة، وأن انكسارها السريع كان نتيجةً حتميةً لاعتمادها الكلي على الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وانعدام أي قاعدة اجتماعية أو شرعية محلية لها، فلم يكن سلاحها أكثر من أدوات مهترئة استخدمت لتحقيق أدوار محدودة في لحظات محددة، قبل أن تتهاوى بمجرد تغيّر الظروف.
وبالتالي، فإن الحديث عن صعود هذه العصابات أو قدرتها على صناعة واقع ميداني جديد لا يتجاوز الوهم التحليلي، إذ أثبتت الوقائع أن المجتمع أقوى من هذه البنى الطارئة، وأن البيئة الغزية لا تنتج ولا تحتضن مثل هذا النوع من التشكيلات الهشة أصلًا.

























































