اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١٨ تموز ٢٠٢٥
رام الله- معا- تعيش قرية أم صفا، الواقعة على تلال شمال غرب رام الله، تحت وطأة حصار واستهداف وتنكيل مزدوجين من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، في مشهد يعكس معاناة الضفة الغربية. هذه القرية الصغيرة، التي لا يتجاوز عدد سكانها 700 نسمة، أصبحت رمزاً للصمود في وجه الممارسات الإسرائيلية.
لا يقتصر الأمر على المداهمات والاعتقالات التعسفية التي تطال شباب القرية، حيث لا يزال أربعة شبان معتقلين، بينما استشهد اثنان آخران دفاعاً عن أراضيهم ضد اعتداءات المستوطنين. بل يتجاوز ذلك إلى حرمان السكان من المياه، حيث دمرت الجرافات الإسرائيلية مجدداً هذا الجمعة خط المياه الرئيسي المغذي للقرية، وهو تدمير تكرر عدة مرات على يد الجيش والمستوطنين.
ويعاني السكان أيضاً من إغلاق مداخل القرية ببوابات حديدية وأكوام ترابية، بما في ذلك الطريق المؤدية إلى مقبرة القرية. كما يُمنع المزارعون من جني محاصيلهم أو فلاحة أراضيهم، في محاولة لخنق الحياة في القرية.
ويأتي ذلك ليفسح المجال للمستوطنين القادمين من مستوطنات حلميش، عطيرت، ونفيه تسوف – التي التهمت مساحات شاسعة من أراضي القرية – حيث لا يكتفون بالتوسع العمراني، بل يواصلون تجريف الأراضي الزراعية، وهدم المنازل، وتدمير الكروم، واقتلاع أشجار الزيتون، ومطاردة أرزاق سكانها، وقطع طرقهم الرئيسية، وذلك كله تحت حماية عسكرية واضحة من جيش الاحتلال.
وتقف أم صفا وحيدة في مواجهة هذا الخطر الزاحف والتهديد الوجودي الذي يحدق بأرضها وسكانها.
يقول مروان صباح، رئيس مجلس قروي أم صفا، إن 'هذه سياسة ممنهجة من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين تهدف إلى تهجير سكان أم صفا'.
ويضيف أن الجيش الإسرائيلي أعاد فتح جميع البوابات الحديدية على مداخل القرى والبلدات الفلسطينية في منطقة رام الله، لكنه لا يزال يرفض بشكل قاطع فتح البوابات التي تغلق مداخل أم صفا دون مبرر.
ويشير صباح إلى أن الجيش والمستوطنين يكملون أدوار بعضهم البعض في التضييق والتنكيل والاعتداءات على سكان القرية وممتلكاتهم.
وقد تعرض عدد من منازل ومركبات وورش المواطنين للحريق على أيدي المستوطنين، فيما لم يتخذ الجيش أية خطوة لمنعهم.
ويوضح صباح أن 'ما نسبته 98% من مساحة أراضي القرية المتبقية مصنفة مناطق (ج) حسب اتفاق أوسلو، مما يعني حظر البناء فيها، وهذا يخنق التوسع العمراني الطبيعي لسكان القرية'. وناشد القيادة الفلسطينية والدبلوماسيين الأجانب وأعضاء المنظمات الدولية بالتدخل لدى حكومة الاحتلال لتخفيف الإجراءات التعسفية ضد القرية ومواطنيها.
بدأت معاناة أم صفا مع الاستيطان منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما صادرت سلطات الاحتلال مساحات واسعة من أراضيها بذريعة 'أوامر عسكرية' لأغراض أمنية، قبل أن تتحول مع مرور الوقت إلى مشاريع توسع استيطاني محموم. لم تكتفِ المستوطنات بابتلاع أراضي الزيتون والكروم والمراعي، بل باتت اليوم تهدد منازل السكان بشكل مباشر، حيث تقام بؤر استيطانية عشوائية لا تخضع لأي قانون، وتحظى بحماية الجيش وتشجيع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة.
وآخر هذه البؤر هي بؤرة استيطانية جديدة لا تبعد أكثر من عشرين متراً فقط عن منازل القرية، في مشهد لم يعد يخفي هدفه من تضييق الخناق على أهل القرية ودفعهم للرحيل، وسط غياب أي حماية أو تدخل.
وعلى الرغم من هذا الواقع المرير، يصر سكان القرية على البقاء والصمود. فشبابها لا ينامون ليلاً خشية اقتحام المستوطنين في أية لحظة، ثم يبدأون نهارهم برحلة شاقة إلى أعمالهم، حيث يسلكون طريقاً التفافياً يمر بدير السودان وعجول وروابي، بعدما أغلقت الطرق المباشرة نحو بيرزيت. فـ 'الطريق التي كانت تستغرق منهم سبع دقائق فقط للوصول إلى بيرزيت، باتت اليوم تمتد لنصف ساعة وأكثر.'
وسط هذا الحصار المزدوج، تكتب أم صفا يومياً فصولاً جديدة من الصمود الفلسطيني، مؤكدة أن إرادة البقاء أقوى من كل أدوات القمع والاستيطان، وبانتظار فجر يعيد الحياة إلى قرية سُلبت منها أبسط حقوقها.